3

:: وشوشات Vivaldi (فيفالدي)* ::

   
 

التاريخ : 17/02/2015

الكاتب : حسين مهنّا   عدد القراءات : 1884

 


 

 

 

                                 (1)        

كزهرِ الرّبيعِ تُبَرعمُ نفسي

اذا ما أتاها الرّبيعُ تعمّمَ بالشّيحِ/أخضرَ/أصفرَ

هذان لونانِ لا يحملان سوى أبديّةِ هذا المكانِ

وعَهْدٍ تُجدّدُهُ كركراتُ الطّفولةِ عاماً فعاما.  

أنا من قديمٍ حملْتُ على راحتي مُهجَتي.. وانتظرْتُ

فما أجملَ الانتظارَ اذا توّجَتْهُ المواعيدُ

بين كرومِ الدّوا لي

فإن مالَت الشّمسُ نحو المغيبِ

تنفّضَ في مجدِهِ السّنديانُ

وأَلْقَى على العاشقين السّلاما.

أنا والحبيبةَ نرشفُ نُسغَ الرّبيعِ

ونجمعُ كُلَّ الأمانيِّ في راحتيْنِ 

رفوفَ سنونو تُهَنْدِسُ في عالياتِ السُّقوفِ

بيوتاً من الطّينِ والعشقِ حيناً

وحيناً تُغنّي مع السّاقياتِ

نشيدَ الحياةِ/دُعاءَ نبِيٍّ تَسامى

تَعالَيْ.. حبيبةُ!

إنّي أحبُّ الرّبيعَ وِشاحاً على كتفيكِ

وهاتي يديكِ لأرقصَ..

حولي الفراشاتُ تلهو مع الرّيحِ

فوقي سمائي وسرْبُ يمامٍ... وأنتِ

وتحتي بساطُ خُزامَى.

 

                                       (2)

وإنّي..

أنا مَنْ أحبَّ الخُزامى

وصلّى لهذا الجليلِ الجليلِ وهاما.

وعمرُ الخُزامى قصيرٌ

فلا تعذلوني اذا ما بكيتُ

وقلبي لِبُعْدِ الحبيبِ تَرَوْنَ حُطاما.

ولا تعذلوني اذا ما سألتُ الرّبيعَ:

لماذا تركتَ الأحِبَّةَ قبلَ الأوانِ يتامى.

على الأرضِ تُلْقي حرارَتَها الشّمسُ-

صيفُ بلادي له حِكمةُ الأنبياءِ

فيقسو ويرحمُ كي تُكْمِلَ الأرضُ تَرحالهَا.

ويخضرُّ عُشبٌ

ويحمرُّ وَرْدٌ

وتُلْقي على الدّربِ ذاتُ الجمالِ

هسيسَ خُطاها وخَلْخالَها.

ويهفو حمامٌ

يحطُّ على نبعِ ماءٍ

فيشربُ حيناً

وحيناً يُنَفِّضُ عن ريشِهِ سَوْرَةَ الحرِّ....

لا تلعن الحرَّ! قالتْ مناجلُ ترنو الى حَقْلِ قمحٍ

فشكراً لشمسٍ تعودُ مع الصّيفِ خَوْخَاً وتيناً.... وذِكرى..

-صبايا حملْنَ الجِرارَ الى نبعِ ماءٍ

هناكَ رفعْنَ فساتينَهُنَّ يُبَرِّدْنَ أقدامَهُنَّ،

وسيقانُهُنَّ بدتْ مثلَ شمعٍ شديدِ البياضِ

يسيلُ على القلبِ والشَّفَتَينِ لعابرِ دربٍ ولكنْ سيُغضي

بأمرِ الشَّهامةِ يُغضي،

ويُطفئُ في صدرهِ غُلْمَةً عارِمَهْ.

فيا أيُّها الصّيفُ خُذْ ما تشاءُ

وخلِّ الأماسيَّ تحت العرائشِ

فوق البلاكينِ

عند المداخلِ ..

خلِّ الأحاديثَ:

 -جارٌ يُحَدِّثُ جاراً عن الحرِّ والقُرِّ،

   والرَّأسمالَ

   وسوءِ المعيشةِ ...

-أُمٌّ تُنادي على ابنتِها البكْرِ كي تفتحَ النّافذاتِ

 وكي لا تُطيلَ الوقوفَ

 فللنّاسِ ألسِنةٌ ظالمهْ.

لقد دارت الأرضُ..دارتْ..ودارتْ...

وما زلتُ طفلاً،هناك،

أُعلِقُ قلبي الطَّريءَ على مِشجبِ العُمْرِ

والذّكرياتُ تظلُّ ترانيمَ أيّاميَ القادمهْ

.

                                     (3)   

وأيّاميَ القادمهْ..

تَدِبُّ على قدمين عجوزين... قالتْ عصايَ:

سيأتيكَ يا ابني زمانٌ أكونُ رفيقةَ دربكَ

أيلولُ آتٍ وما عادَ غيرُ الحفيفِ

وريحٌ تهزُّ غصونَ الشّجرْ.

ولم يبقَ من دانياتِ القطوفِ،

وزيتونةٍ تحرسُ الوقتَ..

لم يبقَ غيرُ خوابي نبيذٍ وزيتٍ لطولِ اللّيالي

ومُتْعةِ مَنْ يَنْشُدونَ السّمرْ.

أديروا كؤوسَ الشّرابِ

غداً نفلحُ الأرضَ،

نبذرُ قمحاً قُبيلَ سقوطِ المطرْ.

تمرُّ اللّقالقُ صوبَ الجنوبِ

فنبكي لأنَّ اللّقالقَ سوف تعودُ،

بدونِ الأحبّةِ سوف تعودُ

ونبقى على شُرُفاتِ البيوتِ

لنا قمرٌ في السّماءِ يُطِلُّ علينا

فنقرأُ في مُقلتَيهِ حديثاً مُعاداً

عن الخيرِ والشّرِّ والقُدرةِ القاهرهْ.

قضى الصّيفُ فَلْتَغسلوهُ على دَكَّةٍ طاهرهْ.

ولا تصلبوهُ على نخلتَيْنِ

فإنَّ الخريفَ يسُدُّ عليهِ دُروبَ النّجاةِ

يُحيلُ أغانيهِ قَرْعَ طبولٍ

ولَحْنَ الحياةِ الجميلَ رياحاً تُلَولبُ أطرافَها صافرهْ.

 

                                      (4)

 

ويأتي الشّتاءُ....

تمرُّ على الرّوحِ ريحُ الشّمالِ

فأُغلقُ كلَّ شبابيكِ روحي لكي يدفَأَ القلبُ

قد أثقلَ القلبَ ضعفُ الخريفِ

وظلُّ الشّتاءِ الثَّقيلْ

مضى العُمرُ يأكلُ فَصلاً ويشربُ فَصْلاً،

فأَيُّ الفصولِ أحبُّ؟..... لا فَرْقَ!

هذا الشّتاءُ يجرُّ جميعَ الفصولِ الى آخرِ الدّربِ....

أينَ تُرى آخرُ الدّربِ؟ قالتْ سواسنُ،

قد أسلمتْ روحَها لانتظارِ البعيدِ

لَسوفَ أعودُ- كذا خبَّرَتْني قُبَيلَ الرّحيلِ

لَسوفَ أعودُ الى الأرضِ أحملُ نُسْغَ الحياةِ الجديدةِ

قُلْتُ: أنا لستُ أنتِ

فإنَّ غُروبي بدونِ شُروقٍ

وأنتِ تعودينَ حقلَ سواسنَ... قالتْ:

أنا أنتَ نحنُ جميعاً ندورُ مع السّرمديِّ

ربيعٌ يمرُ وصيفٌ يمرُّ

ويأتي خريفٌ

ويأتي شتاءٌ لِيغسلَ رِجسَ الحياةِ... تعالَي اليَّ طيورَ الشّياءِ

أنا تحت هذا الصَّفيحِ أرى خُضرةَ الأرضِ

إنّي أرى زُرقَةَ البحرِ

فوقي أرى قبَّةَ اللاّزَوردِ

ولا شيء حولي سوى ظُلْمةِ القبرِ والكبرياءِ

تعالَيْ اليَّ غيومَ السّماءِ

فلا تترُكيني بدونِ وِشاحٍ من الفُلِّ والهندَباءِ

وإنْ شِئتِ أم لم تشائي

سينبتُ فوقَ رُفاتي

سواسنُ تحملُ سِرَّ بقائي

    تعالَيْ.... تعالَيْ....

البقيعة/الجليل

  19.1.2011

 

·        أنطونيو فيفالدي (1678-1741)

مؤلّف موسيقي ايطالي. من أشهر مؤلّفاته الموسيقيّة الفصول الأربعة.   

 

   

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.