3

:: حاجات الإنسان المعرفية الدافع للتطور!! ::

   
 

التاريخ : 05/07/2015

الكاتب : فاطمة المزروعي   عدد القراءات : 2160

 



 

 

توجد جوانب حياتية عدة في غاية من الأهمية والحيوية للإنسان، لكننا لا نمعن التفكير في طريقتها وآليتها وجوهرها، بل نجهل بطريقة أو أخرى تاريخها وكيفية بداياتها، ولعلّي أدهشكم عندما أستحضر اللغة وأسوقها كمثال، والسبب أن لغتنا وتخاطبنا باتا من المسلّمات والبديهيات والتي قد يظن البعض أنها مرّت بنفس مراحل أي اكتشاف إنساني، من حيث الحاجة ثم التطوير والاستمرار في الإضافة لها حتى وصلت لما هي عليه اليوم، فاللغة بطريقة أو أخرى اكتشاف مثله مثل اكتشاف النار والعجلة وغيرهما.. وتماماً كما أحدثت تلك الاكتشافات دوياً في مسيرة الإنسان كان للغة الأثر نفسه، ونقلت البشرية لمرحلة أعظم وأكثر رقياً وتطوراً.

جاء في الموسوعة الفرنسية – موسوعة القرن – أن الجنس البشري امتلك ملكة اللغة منذ ما لا يقل عن 100000 سنة! وهذا يعني أن البشرية عاشت حقباً طويلة دون وسيلة للتفاهم بين أفرادها، ولعلّ هذا الجانب يوضح لنا السبب في وجود ما كان يسمى بالعصر الحجري، كون الإنسان في تلك الحقبة كان بدائياً لدرجة بالغة وكبيرة، فهو يعيش وفقاً لمفهوم القوة، فالطعام والحماية والأمن جميعها أمور رئيسية لا تتحقق إلا بالقوة الصرفة في بيئة لا مجال للتفاهم والتعايش فيها مع أي حيوان أو حتى إنسان آخر، فالذي كان يسود هو منطق الأقوى لا أكثر ولا أقل، ولعلّ التغير الذي حدث كان حاجة الإنسان الذي تنبّه لها وتتمثّل في التعاون مع بعضهم بعضاً سواء في الصيد أو الحماية، لعلّ ذلك الإنسان القديم فهم أنه كلما أوغل في الذاتية والأنانية والتجبّر كلما كان لقمة سائغة في فم حيوان مفترس عاجلا أو آجلا، وأدرك انه لن يستطيع صيد ثور من قطيع يضم آلاف من الحيوانات بمفرده، واستنتج أنه كلما كان معه آخرون فإنه في المحصلة سيجد الحماية والمساعدة، وبالتالي ضمان توفر الغذاء دون تعريض حياته للخطر، وفي هذا السياق لعلّه استنتج أيضاً أولى مفاهيم التخاطب، وهي الإشارة والإيماء وإخراج أصوات من الفم كالنحنحة، وباتت هذه الأصوات هي المعيار للغضب أو الاتفاق أو الرفض، وعندما بدأت موجة هذا التعاون بين البشر تكبّر تطوّرت تبعاً لها الحاجة لإيجاد أصوات جديدة لتعني أموراً جديدة، لعلّ منها وضع خطة للصيد، كالرسم على الأرض وكل واحد منهم يختار طريقة يذهب بواسطتها نحو القطيع، وهكذا وجد الإنسان نفسه كل فترة من الزمن يخترع همهمة أو أصواتاً وتعني شيئاً محدداً، وفيما بعد تطورت الحال لتتحول لكلمات يغلب عليها الصراخ والنحيب والجعير، لكن هذا لم يستمر طويلاً، حيث بدأت تتبلور كلمات أكثر وضوحاً! ومع مرور الزمن انتشرت كلمات صوتية ذات مفهوم محدّد وتعني شيئاً محدداً، وإن كانت في المجمل تدور حول الحيوانات وطريقة صيدها.

مضى وقت طويل حتى باتت لغة الإنسان هي الجوهر! وهي الخصلة أو الميزة التي ارتقت بالإنسان عن الحيوان، وجعلته أكثر تنظيماً وتفاهماً وتخطيطاً، لكن عندما تحققت اللغة، كانت الفائدة الكبرى هي المشاركة وتبادل الأفكار وهنا لم يعد عقل واحد يعيش بذاتية وأنانية مثل الحيوانات، بل ركن للتجمع والحياة الاجتماعية ونمت فرص جديدة في هذه البيئة، فالذي يفكر هو العقل الجمعي وباتت الأفكار في الحماية والمأوى تتطور تبعاً لهذا التفكير الواسع نحو تحقيق رغبة وحاجة، وعندما تغلب الإنسان على مواجعه فأمن في مسكن يحميه عن الحيوانات الضارية، وعندما توفر له القوت والغذاء، واستأنس البعض من الحيوانات والاستفادة من لحمها ولبنها وجلودها، وعندما استقر كان موقناً أن هذا جميعه نتيجة للتعاون وللتفكير الجماعي ولتطوير هذه المنجزات. لذا منذ تلك الحقبة لم يترك الإنسان الجماعة، وبات علماء الاجتماع يؤكّدون أن الإنسان كائن اجتماعي، ولعلّ هذا المفهوم وإصرار الإنسان نفسه على أهمية الجماعة نبعت من تراث عميق وضارب العمق في الزمن السحيق حول أثر الجماعة في البقاء على قيد الحياة، وتحولت مع مرور العقود لجينٍ داخلَ نفسِ وروحِ كلِّ واحدٍ مِنّا.

تبعاً لهذا التطور حدثت قفزة أخرى كبيرة في تاريخ البشرية وهي التدوين والكتابة، وهي أيضاً لم تحدث أو لم تحصل بشكل تلقائي أو عفوي، وإنما جاءت وفق تسلسلٍ زمنيٍّ متباعدٍ جداً، ومرّت بمراحلَ وتطوراتٍ – بعض العلماء يعتبر أن الكتابة اختراع – في المجمل والذي نتّفق عليه جميعاً أنها هي الأخرى كانت فتحاً عظيماً على البشرية، وكوني أميل إلى إنها نتاج حاجة هي الطريقة التي بدأت فيها الكتابة نفسها – اكتشاف - فهي ليست اختراعاً بدأ كاملاً وتمّ تطويره، هي الحاجة التي دفعت إليها وهي الحاجة التي جعلت الإنسان يطوّرها، فعندما بدأ في الرسم في الكهوف هو في الحقيقة أراد حفظ المعلومات الحياتية الهامة، مثل مواسم الزراعة والأمطار وغيرها، ثم بدأ يطور آلية النحت وطرقها، ثم بدأ في وضع أشكال تبعها برموز حتى وصلت الكتابة بعد سلسلة تاريخية ضاربة العمق هي الأخرى، وفي المحصلة النهائية نجد أن النطق وما جاء من بعده ضمن إلهام الكتابة، جميعها كانت نبع للحاجة ولا سواها، بهذا ندرك أن الحاجة الإنسانية كانت دوماً ملهمة لهذا الإنسان، وكانت هي الدافع له نحو كل هذا التقدم الذي نشاهده اليوم، أما حول السؤال الكبير هل تأخرت البشرية في سعيها نحو المعرفة؟ فيبقى محلَّ أخذٍ وجدال طويل بين العلماء.

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.