3

:: مسرحية "هالة والملك" للأخوين رحباني - دراسة وتحليل ::

   
 

التاريخ : 30/10/2015

الكاتب : د. مفيد مسُّوح   عدد القراءات : 18973

 


هالة والملك

مسرحية الأخوين رحباني

 

مسرح قصر البيكاديللي -  1967 ومسرح معرض دمشق الدولي 1967


من كتاب "جماليات الإبداع الرحباني"

 

 

في هذه المسرحية الكوميدية يأخذنا الأخوان رحباني إلى بيئة افتراضية، عنصرا المكان فيها هما قرية بسيطة ومدينة منظـَّمة يقطنها الحاكم وعنصرا البشر هما الأهالي البسطاء وموظفو القصر المحيطون بملك المدينة التخيلية (سيلينا) أما محورها فهو سلوك الرِّياء والكذب الذي اعتاد عليه أفراد الحاشية وأصحاب المصالح والمأزق الذي أوصلهم إليه ظهورُ الفتاة الصادقة التي رفضت الاشتراك معهم في خداع الملك الطيب (داجور).

والمسرحية، على بساطة نـَصِّها ومادتها، كوميدية الطابع اجتماعية هادفة وناقدة وهي متنوعة المشاهد والأدوات، يلعب فيها دور (الملك داجور) الفنان نصري شمس الدين ودور (الفتاة هالة) السيدة فيروز وتضم عدداً كبيراً من الفنانين الكبار مثل إيلي شويري (والد هالة) وهدى حداد وسهام شماس وجورجيت صايغ وملحم بركات ومحمد مرعي بالإضافة إلى وليم حسواني وجوزيف ناصيف والفرقة الشعبية اللبنانية، وهي من تأليف وتلحين الأخوين عاصي ومنصور وإخراج صبري الشريف.

قـُدمت المسرحية على خشبة قصر البيكاديللي في بيروت في ربيع 1967 ثم صيفاً ضمن مهرجانات معرض دمشق الدولي وأعيد عرضُها في مهرجانات الأرز في خريف نفس العام.

 

يبدأ الفصل الأول بمقدمة موسيقية تأخذنا جُمَلـُها الأولى إلى عالم الخيال في رحلة ظريفة تداعب جانب الطفولة في نفوسنا فنقبل دونما اعتراض الشخوص التي تقترب من مرمى نظرنا وهو ساحة المدينة الافتراضية (سيلينا) التي ستستقبل بعد حين المحتفلين بمهرجان التنكـُّر الذي اعتاد الأهالي إحياءه في عيد (الوجه الثاني).

مع تدرُّج الإضاءة المُرافق لدخول إحدى الفتيات بقنديل بيمينها وقناع بيسارها يظهر القادمون وقد غطى كل واحد وجهَه بقناع اختاره لإخفاء شخصيته الحقيقية والاستمتاع بحرية الكلام والتصرف في عيد الوجه الثاني دون قلق.

الفتاة:  سـَهـْرِيـِّـــة فـوق سهـْرِيـــِّة               أنــــا إسـْمــي سـَـهـْرِيـِّــــة

        وْ سهـْرِيـِّة بـَدَّا تـْسـَهـِّرْكــُن      هالـْـلـَّيـْلـــــــِة سـَـهـْرِيـِّــــــــــة

        بــِمـَديـْنــــِة سـِـيـْـليـــْـنـــــا          بـِيـْصـِيــْر فـي عـِيـْـــــــــد

        إسـْـمـُو عـيد الـْوِجّ التــَّانـي      والـْفـَـــــــرَح بـِيــْــزِيـْـــــد

        كـلّ واحـِـد بـْيـِـخـْـتــــــــارْ        شـَـخـْصـِيـِّة لـَحـــــــــــالـُو

       وْبـِيـْعـِيـْشْ فـِيْهـا بـِهاللـَّيـْلـِة      مـِتـِل ما طــــــالـِع عَ بـالـُو

        اللـَّيـْـلـِـــة        عـِيـْــــــــد        الـْــــــوِجّ الـتــَّـــاني

                     بــِمـَديـْنـِة       سـِـيـْـليْـنا

 

بعيداً عن القيود التي تفرضها الحالة الاجتماعية والوظيفية يتحول المجتمعون في ساحة العيد إلى أطفال مـُطـْلـَقي الحرية يختبئون وراء أقنعتهم ويرددون أغاني المناسبة المـُلحـَّنة على نغمة أغاني الأطفال التقليدية في الأعياد بجُملها القصيرة السريعة وكلماتها البسيطة وما يحيط بها من فرح وبهجة (يا وْلاد مـْحارِب يويو          شـِدُّو القــَوارِب              يويو).

الجميع:        رِمـَّــانـِة فــوق رِمـَّـــــانـِــة عـِيـْــد الـــْـوِجّ التـَّــــــــاني

               عـِيـْــد الـــْوِجّ التــَّــــــــاني بــِمـَديـْنــــِة سـِـيـْـليـــْـنـــــا

سهريـِّة:        مـاشـِي عَ الـــْمـَمـأشـــــــِي       احـْـتـَـرْقـِت الـْفـَـــــــراشـِة

               واطـْـلـَعــــُو مـِن حـــالـْكـُن       قــُولو يالـْـلـِّي بـْـبـَـــــالـْكـُن

الجميع:        أرْكـِيـْـلـِة فوق أرْكـِيـْــــــلـِة        وْحـاجِي تـِنـْدَهـِيــْـلـــــــــي

               إذا حـَدا بـَدُّو يـِحـْـكـِــــــــي       الـْـلـَّـيـْـلـِة مـُشْ طـَوِيــْـــلـِة

 

هكذا قدَّمت لنا الفتاة سهرية (عيد الوجه الثاني) والآن سيعرِّفـُنا كلُّ واحد على شخصيته المُستعارة دون حرج طالما أنه:

العصفورة:     حـَدا عارِفْ حـَدا؟

الجميع:        لأ           

العصفورة:     يـَعـْـني بـِقـْـدُرْ إحـْكـِي؟

الجميع:        إيْ

العصفورة:     دُورَه فـــــــــــــوق دُورَه           وجـِّي التـَّاني عَصـْفـُورَة

الجميع:        دُورَه فـــــــــــــوق دُورَه           وجـِّي التـَّاني عَصـْفـُورَة

العصفورة:     بـِتـْقـُول العَصـْفـُـــــــورَة          عايـْشـِة مـَـقــْـهـُـــــــورَة

        أهـْلـي خـَطـَّـبـُونــــــــــي   غصْباً عـَنـِّي وْظــَلـَمُوني  

        وْشايـْـفـِة خـَطـِـيـْـبـــــــِي   مـِتـْـل الـْبـَطـَّة العـَجـِيـْبـِة

        لـَوْ فـِيـِّي إهـْرُب وْ طـِيــر      وْأرْكُضْ خلـْف العَصافير

الجميع:        مـِنْ ســـاحـَة لـَســــــاحـَة        ضـَــاعـِِت المـَســـــاحــة

               مـَمْنوع الـْحَكي عَ الهـَدى      مـا حـَدا عـارِفْ حـَــــــدا

 

الحاجة النفسية للتقنـُّع لها ما يبرِّرها عندما تغيب الشفافية والصراحة.. في مجتمع يقوم أساساً على حب الأفراد لذواتهم تنمو المـُراءاة ويحل الكذب المصطنع محلَّ الصِّدق. الإنسان الطبيعي وفي بيئة طبيعية قليلة التكلـُّف والزَّيف ليس بحاجة إلى الكذب ولا إلى القناع.. لا يخشى الفرد أو يخجل من إبداء رأيه أو الإفصاح عن رغباته إلا في البيئة التي تسيطر عليها مفاهيمُ كابتة للحرية وتقاليد صارمة وتعليمات قاسية تـُطـْري على الملتزمين وتـُعيب المتحلـِّـلين وتـُرهبُهم بالعقاب.

ما زالت البشرية تـَقـْبـَع تحت ظلام مفهومي (العــار) و (الحــرام) حتى الآن.. ومازالت نتائج هذا الواقع الخوف والقوقعة والانعزالية بدلَ الجرأة والانفتاح والتفاعل التلقائي الطبيعي بين بني البشر، ومازالت وسائل تفادي العار والحرام هي الكذب والتستـُّر والتكتـُّم بدلَ الصدق والشفافية والبـَوح، وهذا ما يدفع أغلب الناس إلى اللجوء إلى (قـِنـاع) يؤمـِّن الحرية المفقودة ويوفـِّر ساحة لتفريغ الشحنات وفضاءً تسبح المخيلات فيه على هواها بعيداً عن سياط الجلادين وإرهاب الحكماء.

 

في المدينة الافتراضية (سيلينا) أضاء عاصي ومنصور بيئة السلوك غير الصادق للأفراد في تعاملهم النـَّفعي مع بعضهم البعض وبينهم من جهة والملك من جهة أخرى.

في ساحة المدينة يستمر المُقنـَّعون، وقد اختار كلُّ واحد منهم قناعاً لوجهه يـُظهر شخصيته الجديدة، بتقديم أنفسهم في عيد (المـَساخـِر)، الذي تعرفه الكثير من الشعوب تقـليداً للمرح في فسحات الحرية والأمان تختلط في زواياه الحكايات والمشاعر والأحلام وتتقاطع الرغبات المكبوتة، وقد ارتبط عند البعض بمناسبات دينية تحولت إلى طقس اجتماعي، وقد يكون أحدها عيد "الهالــويــن" الذي، ربما، استعار الأخوان رحباني منه اسم الفتاة التي تبيع الأوجه المستعارة (هالة) وأختاراه اسماً لذيذاً لملهاتهما.

فتاة مقنـَّعة:    تـــــــارَة فـوق تــــــــارة           أنـــا وِجـِّـي التـَّـاني فـارة

الجميع:        تـــــــارَة فـوق تــــــــارة           أنـــا وِجـِّـي التـَّـاني فـارة

الفارة:         مـا أسـْعـَــــــد الفـــــــارَة          بـِتــْـفـُـوت عَ الـِوْكـــــارة

        بـْتـِلـْعـَب عَ سـِجـَّاد الــدَّار      بـْـتـاكـُــل كـُتـُب الأشـْـعار

       بـْتــــــِنـْزُل عَ المـَطــابـِخ         بـْـتـِطـْـــلــَع عَ المـِـزْراب

        بـْتـِتـْنـَــــزَّه بـَيـْن الـلـِّعـَب         بـِتــْنـام بـْـقـِفـْـل البــــــاب

 

شاب مقنـَّع:    أنـــا زِيـْــــــز الحـَصـايـِد  شـَرْشـَحـِتـْني القـَصــــايـِد

الجميع:        أنـــا زِيـْــــــز الحـَصـايـِد  شـَرْشـَحـِتـْني القـَصــــايـِد

الزيز:         أنـا ضـِهـْرِيـَّات الصـَّيـْف              أنـا سـَهـْرِيـَّــات الكـَيـــْف

        قـاعـِدْ بـَــلا أكـِل قـاعــــِد كلـُّـو بـِفـَضـْــل القـَصايــِد

        أووووووووووووف أوف أنـــا زِيـْــــــز الحـَصـايـِد

الجميع:        أووووووووووووف أوف أنـــا زِيـْــــــز الحـَصـايـِد

شاب آخر:    / وِجــِّـي التـَّـاني حـَيـْــــط حـَيـْـط مـْعـَمـَّر عَ الخـَيـْط / (2)

أنـــا حـَيـْط عـْلـَيـِّي سـَطـْل      أنـا سـَطـْل عـْـلـَيـِّي حـَيـْط            

شاب ثالث:    فـِخـَّار يـْـكـَسـِّرْ فـِخــَّـــــار أنـا وِجـِّـي التـَّانـي حـْمـــار

الجميع:        فـِخـَّار يـْـكـَسـِّرْ فـِخــَّـــــار       أنـا وِجـِّـي التـَّانـي حـْمـــار

الحمـار:       بـِحـَيـــــاتي العـادِيـــِّــــــة   إلـِي طــَـلــِّـة ذكـِيـِّـــــــــــة

        النـَّاس بــْتـِمـْشــي وَرايـِّي حـَتـَّى إعـْطـِيْهـُـن رايـــــِي

        وْمع هايـْدا وْكلـُّو بـِشـْعـُــر      أنــا وْقـاعـِـد لـَحــــــــــالـي

        إنـِّي سـامـِعْ شـِي غـَــريب      عـَمْ بـِيـْـشـَهـْـنــِـق بــِبــالـي

        بـْيـِطـْـلـَع عَ بـالـِي خـَيـِّــل أرْكـُض عـَلـَى المـَفـــــارِق

        إرْعـَى ورْدات الجـِيـْــران إلـْـبـُط شـِي واحـــد مـــارِق

الجميع:        / خـَيـِّــــلْ خـَيـِّــلْ خـَيـِّـــلْ بـِسـاحـِة سيلينــــــــــــــــــا

        خـَيـِّــــلْ خـَيـِّــلْ خـَيـِّـــــلْ  شـَهـْنـِق وْسـَـلـِّـينــــــــــــــا / (2)

مقنـَّع رابع:     أنـــا البحــِر                  أنـــــا البـحِـرْ   

أنـا قـَصْر الرِّيـْــــح.. دَرَج الـْـمـَــيِّــة..  سـَفـَــــــر المـَوجـِة

الفتيات:       أنـــا البحــِر                  أنـــــا البـحِـرْ   

البحـر:        أنـا قـَصْر الرِّيـْــــح.. دَرَج الـْـمـَــيِّــة..  سـَفـَــــــر المـَوجـِة

بـِفـْزَع مـِن بـِنـْت زْغـِيـْرِة  فـي مـَعــــــْهـا قـَلـَم مـْـلـَوَّن

تـِنــْـقـِلـْــني عَ دَفـْـتـــــرها   تـِحـْـبـِسـْــني بـِـدَفــْـتــــرها

وْ يـُوقـَعْ بـَيـْت السـِّحـْـــــر وْ يـِتــْجـَمـَّد البـَــــــــــــحـْر

مقنـَّع خامس:  / شـُوفوني شـُوفو التـَّعْلـَب     عَ الرِّيـْش الطـَّـايـِرْ بـِلـْعـَـب / (2)

        / إذا أضْعف منـِّي بْعـَضـُّو   إذا أقـْـــوى بـِرْجـَع تـَعـْـلـَب / (2)

 

المقنـَّعون إذ يجهلون الشخصيات الحقيقية لبعضهم البعض ويجمعهم العيد بشخصيات جديدة، اتفقوا على قضاء سهريته دون أن يكشف أحدهم الآخر، وهاهُنَّ القطط تقـْتربـْن لتعرِّفـْننا بأنفسهن:

القطط: نـِحـْنا بـْسـَيـْنـــــــــــــــات    مـِــنـْحـِـبّ نـْـخـَــــرْمـــــــِش

        عَ البـِرْدايـــــــــــــــــــات    بالــْـلـَّيـــْـــل نـْعـَرْبـــــِـــــش

        مـِــنـْحـِــبّ نـْـقــَطــِّـــــــع    لـِبـْس الـْحــــــــــــــــــــِرَّاس

       نـِنـْتـُفْ بــِضـافــِيـْرنــــــا   فـَسـاتـِيـْن الـنـَّـــــــــــــــــاس

الراقصة:      / أنـــــا ســِــتّ بـــَيـْـــــت  مـَشـْهـُورَة بـْإخـْـلاصـــــــــا / (2)

               بـَسّ بـْحـِبّ عـِيـْــــــــــش  هـــالـْـلــَّيـْـلـِــة رقـــَّاصـَــــة

 

وتتبنى الراقصةَ فوراً الفرقة الموسيقية التي تقدِّم لحنـاً شرقياً تقليديـَّاً تهـُزُّ المقنـَّعة خصرَها على نغمته بـِدلــَع وغنـْج ولذة سـُرَّ بها الجميع وتحرَّضوا لأداء رقصة جماعية سرعان ما تحوَّلـَت إلى دبكة، ولم يسعَ أحدٌ من المقنـَّعين لمعرفة صاحبة الشخصية التي افتتحت لهم العيد بفقرة الطرب والرقص وتغني فيها الفارة (سهام شماس) أغنية الدبكة يردِّدها معها الفتيات والفتيان.

الفارة:         طـَلّ الـْعـِيـْــــد راح الـْعـِيـْد واللـِّي غـايــِب غـــــايـِـبْ

        خـِدْنـي وْرُوحْ صـَوْب سـْطـُوح تـَ نـْزُور الحـَبــــايـِبْ

        نـامـُو وْسـَهـَّرُونــي            جـيـراني لامــُــوني

        والنـَّـاطـُـور تـَحـْت السـُّــور مــِنْ حـَنـِيـْـنـُـــو دايــــِبْ

الجميع:        طـَلّ العيد...

الفارة:  طـَــلّ مـْن الـْعـِلــِّيـِّــة            ما بَعـْرِف شـو قــال

        صارْ يـِتـْطـَّــلـَّع فـِيِّي          وِبـْـخــاف السـُّـــؤال

        خوْفِي اللـِّي حْوالـَيِّـي          يـِشـْتــلـْقــُو عـَلـــَيـِّي

        رَحْ لاقـِيــْـــك تـَ حــاكـِيـْــك بـِـبـْـيـُــــوت الـْـقــَرايـــِبْ

الجميع:        طـَلّ العيد...

الفارة:         حـَلـَّـفـْـتـَك لاقـِيـْـنــي            بـِلـَيـْـلـِة هـالـْعـِيـــــْد

        وِبـْـفـَيـِّـــــــة الزِّيـْنـِة              تِحـْكـِي وْقـِلـَّـكْ زِيـدْ

        بـِقـَــلـْبـَـك خـَـلـِّـينــي      وْبَعـْيـُونـكْ وَدِّيـْنــــي

        وْ عَ بـَكـِّـيـْــــــر خـِدْنـِـي وْطـِيـْـر عُمـْر الهوى طـايـِبْ

الجميع:        طـَلّ العيد...

الفارة:  ســـاحة فوق سـاحـــة          ضـاعـِت المـســاحـة

        أرْكـِيلـِة فوق أرْكـِيـْلـِة          وْحاجِي تـِنـْدَهـِيــْـلـي

        شيـْحـَة فـــوق شيــحـَة         واحـِدْ قهوِة عَ الرِّيحة

        وِتـْـكـَســَّـرو الـْقــَنـاني           بـِعـِيـْد الـْوِجّ التــَّانـِي

 

في المشهد الثاني يقطع على المحتفلين بهجتـَهم وصولُ مأمور من قصر الملك مع حرسه ناقلاً أمراً مهماً من الملك السعيد (داجور) يقضي بمنع عيد الوجه الثاني وإلغاء حفل التنكـُّر ورفع الأقنعة عن الوجوه. وتـَحسـُّباً لإثارة الجدل بين الأهالي يصل إلى ذات المكان الملكُ نفسه فتعمُّ الفرحة، غير أن الملك يطلب من مرافقه العـَرَّاف شرح السبب الذي جعله يأمر بإيقاف التـَّنكـُّر ورفع الوجوه المستعارة (قـِلـُّن يا عـَــــرَّاف عَ السبب يا عـَــــرَّاف).

ويشرح العرَّاف سبب منع الإحتفال استناداً إلى القراءة الفلكية التي أجراها لدلالات القـِبـَّة السماوية فيما يخص الملك  وكان مفادُها أن:

العراف: أميـرة بـِنـْت أميـــــر            حـِلـْوِة حـِلـْوِة كـْتـيــر

        مـِـتــْنـَكـّـرَة وْجـايـِي             عَ هالـْعيـد جــــايـــي

        وْإذا نـِحـْنا عـْرِفـْناها           وْللـْمـَلـِك جـَوَّزْنـاهــا

        بـْتـِسـْعَد المـَديـْنــــــة            وِبـْتـِشـْعـل بالزِّيـْـنـِــة

 

ويتجاوب الجمهور مع العرَّاف متمنين لملكهم الهناء والسعادة:            

الأهالي:       أميــْرَة مـْن بـْعـِـيـْـــد     جـايـي عـَـلـَى العـِيــد

               لازِم نـْـجـَوِّزْهــــــــا              للمـَلـِك السـَّـعيـــــــــد

 

ويجد الملك الطيب الفرصة ملائمة (جايي إكـْشـُف حــالي.. صـَرِّخ عـَلى العــالي) لنقل معاناته لأهالي مملكته (الوَحـْشـِة عمْ تاكـُل القصر) وهو بحاجة إليهم لأن حاشيته داخل القصر لم تبادر لكسر جدار الوَحْشة (الحـَرَس عمْ يتـْفـَرَّج). ولا بدَّ للخروج من هذه الحالة من فعل شيء (والقصر ناطر عروس ..  تـَ يــِفـْرح وْيــِتـْوَهـَّج). وبناءً على قراءة العرَّاف فإن الأميرة القادمة من إمارة مجهولة متنكرة بوجه مستعار ستصل في يوم العيد ولن يعرفها أحد إن كان الجميع متنكرين لأنها ستنـْدسُّ بينهم، لذا فقد طلب من الجميع إزالة الأقنعة عن وجوههم فإذا قـَدِمـَت بقناعها على وجهها سـَهـُلَ التـُّعـَرُّفُ عليها، وطـَلـَب من العرَّاف وصْف الأميرة للناس:

العراف: مـَشـْيـِتـْهـا      نـَــقـْـلـِة نــَــقـْـلـِة 

       لـَفــتـِــتـْها       نـَبـْـلـِة نـَبـْـلـِــــة

        حـُبـَّـا زَهـْر وْنـــــــــــار           حـَمـَل العـِيـْد وْطــــــــار

        يا مـَلـِكـْنـا لـَوْ شِفـْتـا بـْتكــْتـُب عـَلى حـُبــَّا الأشـْـعــــــــــار

 

العرَّاف يدلي بمعلوماته وإيحاءاتُ الواثق من صِحـَّة رؤياه تـَقـْطـُرُ من وجهه الذي يغطيه ما عدا تـَحويقة العينين شعرٌ كثيفٌ أبيض. أما الملك فليس عنده أدنى شك بدقة عَرَافة دليله المخلص والقدير إلى المستقبل الشخصي الذي تتعلق به إلى حدٍّ بعيد سعادة شعبه، وهو لذلك يربط بين الأمرين تفادياً لإحراج نفسه..

الملك:  هايْ ياها اللـِّي بَدِّي ياها            إيـَّـاك تـْـغــَيـِّرْلـي يـاهــا

        كـْتـِبْلا أوصافا عَلى دفتر            وَحـْياتـكْ أوعـى تنـْسـاها

الأهالي:       كـْتـِبْلا أوصافا عَلى دفتر            وَحـْياتـكْ أوعـى تنـْسـاها

العراف:       مِنْ هالدَّرْب عمْ بـِتـْقرِّب              متـْـل الحبّ لـِمْ بـيـْغــَرِّب

               أميــْرَة مـْن بـْعـِـيـْــــــــد           جـايــــــي عـَـلـَى العــِيــد

يا مـَلـِكـْنـا لـَمـَّا بـِتـْشوفـا        بـِتـْهـِلّ المـَواعيـــــــــــــد

الملك فرِحاً:    هايْ ياها اللـِّي بَدِّي ياها     ..

الأهالي:              كـْتـِبلا أوصافا عَلى دفتر..

 

العرَّاف يدرك ما يحتاج الملك إليه وهو قادر على دغدغة عواطفه واستدراجه إلى أحلام الحب.. بقي أن يحصل على تأييد الناس والشروع بالبحث عن الأميرة. غير أنه بين هؤلاء من أوصلته خبرته في الزواج إلى ما لا يـَحسد عليه نفسَه، وهو لذلك يقدِّم لملكه العزيز نصيحته:

الحيط:        يـا مـَـلــِك الزَّمـــــــــــــان   قـِلــِّي عــْـلـَيـْـك الأمـــــان       

الملك:                                    عــْـلــَيـْـك الأمــــــــــــــان

الحيط:        يـا مـَـلـِكنـــــــــــــا لـَشـُو الجـازِة وْ شو بَــدَّك بـالجـــــــــازِة

الأهالي:              يـه يـه!!  مـِـيـنـُـو هايـْدا؟             شـِيـْلـُولـُو وِجـُّو عن وِجـُّـو

        بدْنـا نعـْرِف مـِـيـنـُـو هايـْدا

الحيط:        المـَـلـِك عـَطـاني الأمـــــان      وْبـَـدِّي إحـْــكــــــــــــــــي

الملك:         إحـْــكــــــــــــــــي

الحيط: يـا مـَـلـِكنـــــــــــــا لـَشـُو الجـازِة وْ شو بَــدَّك بـالجـــــــــازِة

        أنا يـا مـَـولانـــــــا       

بـْهالـْـلـَّيــــــــــالي دايـِــــرْ    عَ الـِبـْيـُــــوت دايـِــــــــــرْ

       إتـْســــــَرَّق عَ الـْحـِيـْطــان وْشـِـــــفـِتْ يا مـَـولانـــــــا

كـِيـْف الحـُبّ نـــــــــــــايمْ  والدَّبـِيــْك قـــــــــــــــــايـِمْ

                                   بـَيـْن رْجـــــال وْ نـِسـْـوانْ

 

يبـْدو أن لهذا الشخص المختبيء وراء قناع الحائط مفاهيمـَه الخاصة المبنيـَّة على تجربته مع النساء وما رصدتـْه جولاتـُه التجسُّسيـَّة. وقد اختار الحائط قناعاً لأنه يمثل شخصيته الثانية التي اكتشفت بأن الحب المفترض وجوده في البيوت مفقود وقد حلَّ محلـَّه العِراكُ بين الزوجين. ولأنه يحب الملك، البعيد عما يجري خلف الجدران، لا بدَّ له من تقديم النصح قبل أن يتحول الملك إلى رجل عادي يعاني كغيره من الرجال:

الحيط:        يـا مـَـلـِكْ إنـْتَ مـَلـِــــــــكْ

        بـِعـْيـُـــون الـدُّوَل مـَلـِــــكْ        وْ بـِعـْيـُـــون الأعــــــــاديْ

       لـَكـِـنْ بـِعـْيـُـــون مـْـراتـَكْ       

وَقـْت بـْيـِرْجــَع الضـَّجـــرْ        إنـْتَ رَجـُلْ عــــــــــــــادي

        وْيـِمكِنْ تِطـْلـَعْ أقوى مِنـَّـكْ    

وِتـْصـِيـْر حالـْتـَكْ مـِتـْـلـِـي       أنـا لـَيـْـلـِـيـِّـة بـاكـُل قـَتــْـلـِة

يـا مـَـلـِكْ ضـَلـَّكْ مـَلـِـــكْ !

 

الكلام الذي أثار حفيظة الأهالي الراغبين بتزويج الملك أثار فضولـَه:

الأهالي:              لا بـَـقــَـى تـْـكـَـمـِّـــــــــــلْ   لا بـَـقــَـى تـْـكـَـمـِّـــــــــــلْ

الملك:         كـَـمـِّـــــــــــلْ

الحيط:        والمـَـلـِـكْ مـا بـِيـْخــــــافْ

        يـِمـْكـِـن بـْيـِحـْـــــــــــــزَنْ   

يـِمـْكـِـن بـْيــِسـْـــتـَوْحِـــشْ       بـَسّ مــــــــا بـِيـْخــــــافْ  

مـَع الـْجــازِة الـِـــــــــوْلادْ    مع الـِوْلاد الـْحـَنــــــــــــانْ

وْمع الـْحـَنـــــــانْ الخــَوفْ

الأهالي:       مـُشْ مـَظـْبـُوط  مـُشْ مـَظـْبـُوط  الجازِة حَظّ  الجازِة قـِسـْمـِة

        يـِمـْكـِـنْ تـِطـْــلـَعْ زَهـــْــرَة  يـُغـْمـُر بَيـْـتـَــــكْ عـِـــطـْرا

وْ يـِمـْكـِـنْ تـِطـْــلـَعْ وَفـِـيـِّة وْمَهْضومـِة وْدَمـَّاتا خـْفافْ

 

الملك يريد أن يقتنع برأي الأهالي أملاً بحبٍّ يـُسـْعِدُ قلبـَه ويكسر وحشة القصر، وهو لذلك يرجـِّح كفـَّة التفاؤل:             

وْيمـْكـِـنْ تـِطـْلعْ مِحـْتـِشـْمـِة      مـِتـِـلْ زَوْجـِـة الـْعـَــــــرَّافْ

 

إذن لابدَّ من تنفيذ خطة التعرُّف على الأميرة القادمة من بعيد، من نجمة زرقاء حَرقت نفسها لتخلـق أميرتنا:

الملك:         يـا أهـــالي سيليـــــــــــــنـا  إرْفـَعـُو الوجـــــــــــــــــوه

الأهالي:       كـِيـْف ؟! كـِيـْف ؟! بَدْنــا نـْشـيـــْل وْجـوهـْنـــــــــــــــــــــــا؟

العراف:        لازِمْ نـْشيل الـِوجوه حتـَّى نـْصيـر نقـْدُر نـَعـْرِف الأميرة.. إذا بـْقينـا مـِتـْنـَكـّرين وْإجـِتْ هـِيـِّي متـْنـَكـّرَة كيف مـْنقـْدُر نـَعـْرِفها؟؟ لـَكـِنْ لـَو شلـْنـا الوجوه مـْنـَعـْرِفها أوام لأنـَّا لمـَّا بـْتـِجي هـِيـِّي بتـْكون وحـْدا ياللـِّي مـْقـَنـَّعـة.

 

وخشية أن يـُحسب على صاحب شخصية الحيط موقفـُه السلبي يبادر بنزع قناعه صارخاً (لـَعـْيـُون المـَـلـِـكْ) فيفعل الأهالي (لـَعـْيـُون المـَـلـِـكْ) وتظهر الوجوه الأصلية لعيني الملك الذي راح يتفرَّس بها مستغرباً جرأة أصحابها:

الملك:         المـُسـْتـَشـار..   بـْوِجّ حـْمار؟ 

المستشار:                                 رمـْز الـصـَّبــــــِر والأمـــانـِة

الملك:         أمينــــة صنـْدوقي.. فــــارة؟   

أمينة الصندوق:       هايـْدا عـَلـَى عِشـْرِة الـِخـْزانِة

الملك:         مـَرْت العـرَّاف.. راقـُوصـَة؟

        شـِحـَّاد المدينة..        حــَيـْـــــط؟   

العراف:       كلـــُّـو يا مـَلـِكنــا مسمــوح       بـِعيـــد الــوِجّ التــــــَّــــــانـي

 

نزع الأقنعة عن وجوه حاشية الملك والأهالي لم يمنعهم من الغناء للعيد والرقص:

الجميع:        طــــاقــَة فـــوق طـاقــَــــــــة       الحـِلـْـوِة ما نـَّــاشْ بالطـَّاقــــة

        تـِـيـْـنـِة فـوق تـِـيـْـنـِـــــــــــــة طـــارِتْ فـِـيـْـنـا المـَدِيـْنـــــــِة

 

ويخرج الجميع من الساحة وهم موعودون بالفرح القادم مع الأميرة المتنكرة:

انـْطـُرو عَ ابـْــــواب المَدينـِة     العـَــــــــرُوس اللــِّي جـــايـِي

 

في المشهد التالي تصل إلى الساحة بائعة الأقنعة يرافقها والدها المترنـَّح وقنينته بيمينه، أملاً ببيع هذه الأقنعة للمحتفلين بـ (عيد الوجّ التـَّاني).

بائعة الأقنعة (هالة) تحمل بين خصرها وزندها الأيسر طـَبـْلـَة تدقُّ عليها تـَرويجاً لأقنعتها التي وضعت أحدها على وجهها بينما ربطت الباقي بخيط وألقتها على كتفها الأيمن عابرة بها طريقاً طويلة من قرية صغيرة اسـْمُها (درج اللوز)، وراح الأب (هبّ الريح) المتثاقل الخطوات يغني سروراً ومناداة للناس كي يقتربوا من هالة ويشتروا الأوجه المستعارة:

هبّ الريح:     / جـايـيـْن عـَلى ساحِة سيليـنا         جـايـيــــــن والعـِيْــد بـْسيليـنا / (2)

/ عـَلـَى أمـــَل البــَـيع جـِيـْـنـا            سـايـِقـْنا الطـَّفــَر وْجـِيـْنـــــــا / (2)

لـَوْلا مـا بَدْنـا نـْبــِيـْــــــــــــع         ما كـِنـَّـا تـْـعـِـبـْنــا وْجـِيـْنـــــا

جـايـيـْن عـَلى..

هـالة:         يا بـَيـِّـي يا هـَـبّ الرِّيـْـــــــــح            الظـــَّاهـِرْ ما في حـَـــــــــــدا

هبّ الريح:     أوام بـْـتـِقــْطـَـــــــعي الــرِّزق             العيـــْــــــــــــــــد مـا ابـْـتــَدا

هـالة:         لا في عيد وْلا في نـــــــــــاس          لا ضحــْـك و لا حــَـكـِــــــي

هبّ الريح:     الـْـهـَـيـْـئـــــة إنتي مـِتـِل إمـِّـكْ           بـِـتــْحـِبـِّـي الـْحـَكــِــــــــــــي

        جــــوعــانـِـة ؟

هـالة:                       لأ

هبّ الريح:     تـَعـْـبــــــانـِـة ؟

هـالة:                       لأ

هبّ الريح:     طـَيـِّــــب شـُـــــو بـِكـِـــــــي ؟      وْلـَشـُــو كـِتـْــــر الـْحـَكــِــي ؟

هـالة:         مـِـدْري شـــُــو بــِــنـِـــــــــــي        انْ كـــانـُّو عـِـمـْري سـِنـِـــــة

        مــِدْري أنــــا مسـْـتــَوْحـْـشـِـة             مـِـدْري أنـــا حـَزِيـْنــــــــــــة

        أوَّل مــَرَّة بـُوقــَف فــــيـْهـــــا            بـْـســاحـِة الـْـمـَـدِيـْـنـِـــــــــــة

        وْلمـَّا وْصِلت لـْهَون اشـْتـَقــْت         عَ إمـِّــــي تـْـحـــاكــِـيـْــــــنـي

عَ إخـُوْتـِــي وْ عَ ضـَيـْعـِتـْنــا           وْ عَ فـَيـِّــــة التــِّيـْـنـِــــــــــــة

هبّ الريح:     هـَلـَّـق لـَمـَّـا بـْيـِبـْدا العيــــــــد      بـْتـــــاخـْـدِك الزِّيـــنــــــــــــِة

        بـْتـِنـْسي المـِشـْوار الـِبـْعيـــــد            والرِّحـْلـِــــة الحـَزِيـْنـــــــــــة

        بــِتــْبـيعــــــي الـُوجـــــــــــوه                بـْـسـِـعـْـــــر يـْكـُون مـْلـِيـــــحْ

        وْبـِتـْـجيبـِي المـَصـــــــــــاري             لـْبـَيـِّك هـَبّ الرِّيـــــــــــــــــحْ

 

(هبّ الريح) مُدْمِنٌ لا تفارق زجاجة الخمر يدَه. المدمنون يفقدون الإرادة ويـُعرِضون عن العمل ويصبحون أسرى لـِ (القنـِّينـة) ولكنهم غالباً ما يحتفظون بظرافتهم. عندما يُدلى السـِكـِّير بقول أو رأي يتبعه بجرعة من فم زجاجته أو برشفة من الكأس.

هـالة:         حـاجْ تـِشْرَب كـَ بـَــيـِّــــــــــي      هــَـلــَّـق بـْــتـِســْـكـَـــــــــــــرْ

هبّ الريح:     أنـــا مـا بــِـسـْـكـَـــــــــــــــــر         أنـا بــِـسـْـكـَــر تـَ إتـْحـــــــَرَّرْ

        عـَنـْتـَـــرْ؟ وَيـْـنـُوِّي عـَنـْتـــرْ؟            وِلــــَــه ! أنـــــا عـَنـْـتـــــــــرْ

هـالة:         حـاجْ تـِشْرَب كـَ بـَــيـِّــــــــــي      هــَـلــَّـق بـْــتـِســْـكـَـــــــــــــرْ

أنــا سلـْـطــان الـُوجـــــــــــوه              أنـا وِجـِّــــي الـْـكـِبـَّايـــــــــــة

أنـا وِجـِّــــي الــْـمـــــــــــــازَه         والـسـَّـمـَــك الطــَّــــــــــــــازَه

والشـِّـرِبْ وِجّ الـطـُّـفــُـولـِــــة       والشـِّــرِبْ وِجّ الـْبـُطــُــولـِـــة  

        أنـــا مـا بــِـسـْـكـَـــــــــــــــــر         أنـا بــِـسـْـكـَــر تـَ إتـْحـــــــَرَّرْ

        عـَنـْتـَـــرْ؟ وَيـْنـُوِّي عـَنـْـتـــرْ؟     وِلــــَــه ! أنـــــا عـَنـْـتـــــــــرْ

        فـْـهـِمـْتـِي عـْلـَيـِّـي ؟

هـالة:                       لأ

هبّ الريح:     طـَيـِّـبْ أنـا رايـــــــــــــــــــحْ

هـالة:         وْوَيـــْن رَح تـِنـْطـِـرْنـــــــي ؟

هبّ الريح:     بـْخــَمـَّــــــــارِة جـُـورِيـِّــــــة

وْلا تـِنـْسـِيـْنـي مـا مـَعـِـــــــي              إدْفــَــــع الـلـِّي عـْـلــَيـِّــــــــي

هـالة:         خــَمـَّــــــــارِة جـُـورِيـِّـــــــــة          لـَـيـْـلـِيـــِّة لـَـيـْـلـِيـــِّـــــــــــــة

وْمـا بـْتـِفـْضـى الـْقــَـنـِّـيـْـنـِـــة             بـْخــَمـَّــــــــارِة جـُـورِيـِّــــــة

هبّ الريح:     حــــاجي تـْـلـُومـِـيـْنــــــــــــي               أنــــــا و الـْقــَـنـِّـيـْـنـِــــــــــــة

        صـِـحـْـبــِـتـْـنــــا صـِحـْبــِــــة              حـْـكـَـايـِـتـْـنــــا حـَزيـْـنـِـــــــة

        بـِسـْقـِيـْـهــــــــا هـَمـِّـــــــــــي         فــَـرَح بـْـتـِـسـْـقـينـــــــــــــــي

        بـْوَدِّيـْهــــا عـَـلـَـى تـِـمـِّـــــــي              عَ الـْقـَـمـَـر بـِتـْـوَدِّيـْنـــــــــــي

لــَمـَّـا بـِتـْـبــِيـْعي الـُوجـُــــــوه              عَ طـُــــــــــــــول الـْحـَقـِيـْنــي

 

 

في هذا الكلام البسيط فلسفة جريئة..

الخمر إبداعٌ ولـَّدته المُخيـِّلة وثبـَّتتـْه الضـَّرورة.. أحاطه أجدادُنا بهالة من القدسية وخَصـُّوه بآلهة تتمتع بالظـَّرافة والشاعرية وبالقدرات التي يعجز عنها العاديـُّون. أحد آلهة الخمر عند اليونانيين، ويدعى (ديونيسيس)، ابنٌ لكبير الآلهة (زيوس) ولكن والدته من عامة الشعب مما منحه القدرة على التحليق والظهور بين الناس في أفراحهم وبين الآلهة.

لم يخلُ أدبٌ شعبيٌّ أو فنٌ يعكس حياة الناس ومشاعرَهم وأحلامَهم وحالات الفرح والاحتفال في بلادنا من صور العلاقة بالخمر الذي قيل فيه الكثير وأهمُّه ما يعطيه الوظيفة المقترنة بالكمية. فـَ قليلٌ من الخمر يـُفرِح قلبَ الإنسان والخمر رمزٌ للفداء وهو لصيقُ الاحتفالات بالمواسم الجيدة والأعراس والنجاح، وليس لكلمة (قليل) بعدٌ كـَمـِّيٌّ بقدر ما تعني الطريقة التي يتناول بها المحتفلون كأس الخمر، وإن كان من البديهي أن كمية الكحول الكبيرة تؤذي الجسد وتـُخرِج الشارب من حالة ضبط النفس في بعض الأحيان.

ولكن المقصود في اللـَّذة المرتبطة بالمشروبات الروحية هو حالة الارتخاء العضلي التي تسببها وحالة التحليق الروحي التي تتحرك معها المشاعر العاطفية والشعور بالتحرر من القيود الشكلية وتتنبه معها الخلايا المسؤولة عن الإبداع التلقائي والسلطنة، خاصة عند أصحاب المواهب الأدبية والفنية.

وإذا كان جميع المحتفلين يرغبون في الوصول إلى نعمة الحرية ونشوة التحليق مع المشروب اللذيذ (بـْوَدِّيـْها عـَـلـَـى تـِـمـِّـي  عَ الـْقـَـمـَـر بـِتـْـوَدِّيـْنـي)، وهو غالباً العـَرَق المصنوع من عنب الكروم في بلاد الشام، وهي الحالة التي يـُسمـُّونها (السـُّكــْر) غير المرافقة بالاضطراب الصحي، فإن قلـَّة منهم يربطون حاجتهم إلى الخمر بحالتهم النفسية السيـِّئة (بـِسـْقـِيـْـهـــا هـَمـِّـي) أملاً بتصحيحها (فــَـرَح بـْـتـِـسـْـقـينـي)..

 

ليس أمام هالة غير الإذعان والبدء بالترويج لبضاعتها لتأمين مايـَلزَمها ويـَلزَم والدها من مال، بأغنية خفيفة على إيقاع طبلتها ونغمة مطابقة للنغمة الأساسية للحن المقدمة:

هـالة:   / لا لا يـا بـــــــــــــــــــا لا لا      أنــــا إسـْـمـِي هـــــــــــــــالـَة

وْجــــايـِي عَ الـْمـَدِيـْـنـــِـــــــة              بــِيـْـع وْجـُـــــــــوه الـزِّيــــْنـِة

                                   والـزِّيــــْنـِة بـــاعـِتْ حــــــالا / (2)

/ وَيـْن إنـْتـُــو يا هـالنـَّـــــــاس           طـِـلـُّـو اشـْـتـِـرو مـِـنـِّـــــــــي

وَيـْن الــْـفــَـرَح والـْحـِـــــرَّاس             والصـَّـوْت الـْ بـِيـْغـَنـِّــــــــــي / (2)

بـِـعـِـد الـلـَّيـْــــــــــــل               وْرِجـِـع الـلــَّيـْـــــــــل            

وْبـَعـْــدا الـْحـِلـْــــــــوِة لـَـحــــــــــالا

وْ لا لا يـا بــــــــــــا لا لا..    

/ إذا اللـَّيــْلـِـــة بـِعـْت كـْتـِيـْـــر           بـــاخـُـد كـَـمّ هـْدِيــِّــــــــــــــة

لأخـْـتــِـي فـِسـْتـان زْغـِيـْــــــر            وْشـِي لـِعـْبـِة لــَـخـَـيـِّــــــــــي / (2)

       بـُـكــــْــرا الـْـــــــوَرْد               بـْـشـَهــْــر الـْـــــــوَرْد            

بـْيـِلـْهـِــــي الصــَّبـِـيـِّـة بـْحـــــــــــالا

وْ لا لا يـا بــــــــــــا لا لا..    

وْلـُـو وَيـــْـن النـَّـــــــــــــــاسْ        وَيـــْـن الـْحِـــــــــــــــــرَّاسْ ؟

وَيـــْـن الـْـبـَدُّن يـِشـْتــــــــــرو              وَيـــْـن النـَّــاسْ ؟ يا نـــــــاسْ  

الفتاة الطيبة التي نادت الناس لشراء أقنعتها لم يخطر ببالها غير الإقبال والتـَّرحاب.. فما صنعته في البيت مع أهلها وتعرضه على الناس في عيدهم السنوي يلبـِّي مطلبَهم وهي لا تطمح إلى أي  شيء يتعدى الحصول على ثمنه. إلا أن الأهالي الذين بـَشـَّرهم العرَّاف بقدوم أميرة متنكرة ظنـُّوها أمامَهم الآن، خلف قناعها، فراحوا يرمقونها بنظراتهم الفضولية التي أخافتـْها:

الجميع في الساحة:           هـِيـِّي.. هـِيـِّي !!

هـالة همساً:    لا لا يـا بـــــــــــــــــــا لا لا..           

الجميع:                      هـِيـِّي.. هـِيـِّي !!

هـالة فزِعة:    وْجـــُـوهـْـكـُـن العــارْيـِـــــــة        خــَوَّفـِـــــــت هـــــــــــــــالـَة  

        اشـْـتــِروا وْجــــوه تـانـْيـِـــــة              وِتـْـخـَـبـُّو بـِـخـْـيـــــــــــــــالا

 

وما أن يصل الخبر إلى العرَّاف حتى يُسرع قادماً إلى الساحة مدَّعياً أنه تحدَّث إلى الأبراج التي أنبأتـْه بأحداث اليوم.. وهاهي الأميرة بينهم.

 

أكثر من يعرف كذِبَ العرافين بالطبع العرافون أنفسـُهم. فالفلكيون يبدأون حياتهم المهنية مـُتـَتـَلـْمذين على يد من سبقـَهم فيُسحرهم الكون بقبته العجيبة وما أن يـَخبـُرون أسرارَها وأسماء عناصرها وترميزات العرّافين القدماء وحكايات كثيرة عن علاقات فلكية - فلكية وفلكية - أرضية وتفسيرات للحالات وغيرها حتى يكونوا قد وقعوا في الفخ الذي يستحيل الخروج منه بعد أن تكون أدمغتهم قد غـُسِلـَت وبعد أن يحيطهم البسطاءُ بهالة من القدسية وثقة لا تتزعزع بصحة ما يقولون وكذلك بأجر ممتاز لقاء ما قـدَّموه من معلومات تـُجلي الخفيَّ وتخلق الأمل عند فاقديه. حينها تنتفي إمكانية مساءلة العرَّاف لنفسه في صحة ما يدَّعيه.. ففي مساءلة كهذه مـَضـَرَّة للذات، وفي التجاهل منفعة.

وطالما أن عرَّاف الملك في مسرحيتنا، وهو الفنان الراحل جوزيف ناصيف، يظنُّ نفسه قد بدأ يحصد ثمارَ قراءته الفلكية فلـْيرحب بالأميرة إذن:

العراف:       أهـْــلا وْسـَهــْـلا        أهـْـلا بـْـهــــــالا

        بــالأمـيــْـــــــرَة           والـلـِّــي بـْبـَـــالا

        النـِّجْـمِة الزَّرْقـا               حـَـرْقـِــتْ حــالا

أهـْلا وْسـَهــْــلا                أهـْــلا بـْـهـــــالا

الأهالي:              شـُـــــــــــــــــو يا عـَـــرَّاف   قــَـوْلـَـــكْ هـِــيـِّـــــــــــــــي؟

 

بحركة خبيثة يقترب العرَّاف مُفاخراً بنفسه فيرفع القناع عن وجه الفتاة ويحملق في وجهها ثم يقول مؤكـِّداً للناس ولقائد الحرس:

العرَّاف:       هــايـْــــدي هـِــيـِّـــــــــــــــي          مـِــيـِّــــــــة بالـْمــِـيـِّـــــــــــــة  

قائد الحرس:   إحـْـتـِــــرام إحـْـتــِـــــــــــرام          عـامـْـلــُـــــوهــا بـْإحـْـتـِــــرام       

الأهالي:       أهـْلا وْسـَهــْـلا بـِضـَيــفـِتــْنــا            يالـْلــِّـي زارِتْ مـَدِيـْـنـِتـْــنـــــا

        النـِّجْـمِة الزَّرْقا حَـرْقِــتْ حالا          أهـْـلا وْسـَهــْـلا أهـْــلا بـْـهـالا

هـالة:         بـْهالـْمَدِيـْـنـِة جـَنـَّـنـُونـــــــــي              أهــــالـِيـْـهــا حـَـيـَّـرونــــــــي  

        يـْدِلــُّو عـْلـَيـِّي يـِحـْكـُـو عـَنـِّي           وْمـا في إيـْد اشـْـتــَرتْ مـِنـِّـي

العراف:       لازِمْ نـاخـِـدْهــــــــــــــــــــــا          عـَلى قصـْـر الـْمـَـلـِـــــــــــــك     

قائد الحرس:   تـــْـفـَـــضـَّـلـِــــي مَعـْـنـــــــــا         عـَلى قصـْـر الـْمـَـلـِـــــــــــــك  

هـالة:         عـَلى قصـْر الـْمـَـلـِـــــــــــــك       يـــا دِلـِّـــــي شـُــو عـْـمـِلـْـت؟

الجميع:        تـــْـفـَـضـَّـلـِـي تـــْـفـَــضـَّـلـِــي       عـَلى قصـْـر الـْمـَـلـِـــــــــــــك  

هـالة:         خـَلــُّـــوني بــالسـَّــــــــــــاحة        أنــــا هَــــوني مِـرْتــــــــاحـَـة

العراف:       خـَلــُّوهـــــا عَ راحـِـتــْهــــــــا        واسـْـهــَـرُو عَ خـِدْمـِـتــْهـــــــا

        قـُـولـُـو لـْ شـَيـْخ الخـِيـَّـاطـِيـْـن           يـْحـَضـِّر أحـلى الـْفـَســـاتـِيـْـن

        الأسـاوِر الـْمـَشـْغـُـولــــــــــــِة             والـِـعـْـقــُودِة صـِـيـْـغـِـتـْهــــــا

        حتـى الـْمـَلـِـك يـْـشـُـوفــــــــــا             بـِحـَـــلاوِة زِيـْـنـِـتـْـهـــــــــــــا

الأهالي:       قـُـولـُـو لـْ شـَيـْخ الخـِيـَّـاطـِيـْـن           لـَـبـِـيـَّـــــــــاع الجـَـواهـِـــــــر

               هـَيـُّـــــــو أحـْلى الـْفـَســـاتـِيـْن            هـَيـُّـــــــو أغـْـلى الأســــــاوِر

 

يخرج الجميع ما عدا هالة والحراس الذين طلب منهم العراف وقائد الحرس السهر على راحة (الأميرة) وتلبية مطالبها والحرص على عدم هربها.

 

في وحشة السـَّاحة الخالية من الناس والحركة وفي برودة الغروب عبثاً تحاول الفتاة، التي لم تدرك السرَّ بعـْد، التحدُّثَ إلى الحرَّاس الواقفين حول المكان كأعمدة النور الخرْساء، ويدبُّ القلق في نفس هالة (إذا طـَوَّلـِتْ هالحالـِة        بيي بـْيستـَعـْوقـْني) فلا تسلية غير الغناء:

 هـالة:  / حِــــــــرَّاس المـَدِيــْـــــــنــِة        قـــالـــُو صـــــــــارغـْـيــــاب

هـَـدَمـُـو قـَـصـْر الـزِّيـْنــــــــة             قـَـفـَـلـُـو مـِيـِّــــــــة بـــــــــاب / (2)

حِـــــــــرَّاس المـَدِيــْـــــــنــــِة         سـَـكــَّــــــرو الـمـَدِيــْـــــــنـــِة

نــِســْـيـُــــــــــــــــــــــــونـــي           وْحـَـبـِـيـْـبـــــــي نـِـسـِـيـْـنــــي

/ أنـا سـَفـَـر العـَصـْفــــــــورَة            وْحـَبـَسـُوني عَ الطـَّــــــــــريق

لـَيـْـل وْســـاحـة مـَهـْجـُــــورة             مـِـتـْـل الـْبـِيـْــــــر الـْـغـَـمـِيــق / (2)

عـَلـَّـمـُــــونـي غـِنـِّيـــــــــــــة         عـَنْ بـَـلـَـدي حـَـزيــــْنـِـــــــــة

بــِقـْـعـُد أنـا ويـــَّــــــــــــاهـــا        سـَـلــِّـيـْهـــــــــا وِتـْـسـَلــِّيـْنــي

حِــــــــرَّاس المـَدِيــْـــــــنــِة..

/ قـالـُو ســألْ عـَنـِّـــــــــــــــي             وْكلـُّـو قـِـسـْـمـِـة وْ نـَـصـِيـْـب

قـَــــــوْلـِكْ شـُـو بـَـدُّو مِـنـِّـــي             يــــــــا حـِيــْرِة الـْغـَريـــــــب / (2)

والـْ مـُشْ نـاطـِرْ شـُـو نـاطـــِر          بـِـوَحـْشـــِــــة الـمـَدِيــْـــــــنــِة

لــَوْ هالـســـَّاحـَة بـِـتـْسـافـِـــــر            وِلأهـْــــــــلي بـِـتـْـوَدِّيــــْـــني

حِــــــــرَّاس المـَدِيــْـــــــنــِة..

 

مع نهاية الأغنية الرقيقة المـَشـُوبة بنفحة حزن وقلق يصل إلى الساحة مجموعة من الخياطين يرْأسهم شيخـُهم والصـَّاغة يرْأسهم شيخـُهم وكذلك كبير طهاة القصر لتقديم ما يلزم للأميرة الحسناء.

تقدم المجموعة أغنية لذيذة على إيقاع صوت مـِقصـَّات الخياطين وحركاتهم وهم منهمكون بتحضير القماش والأكسسوارات والزِّينة. لحن الأغنية وكلماتها هدية من الأخوين رحباني إلى العاملين في حقل الخياطة، وهذه ليست المرة الأولى التي يخصُّ فيها السَّخاء الرحباني مهنة معينة بالتفاتة ذكية يدخلان عبرها إلى وسط جديد من الناس، ففي أية مسرحية قبل أو بعد "هالة والملك" أغنية أو أكثر من هذا القبيل. وربما أتى هذا المبدأ من عملاق الموسيقا المصرية سيد درويش الذي ألـَّف ولحـَّن وغنـَّى لعشرات المهن والعاملين فيها.

والإبداع الرائع عند عاصي ومنصور تراه ببراعة لا مثيل لها في الكلمات وفي انتقاء المقام واللحن وكذلك في اللباس والإيحاءات والحركات وفي الديكور وفي المؤثرات الضوئية، لدرجة أنك تشعر أنهما عمِلا في تلك المهنة وعاشرا العاملين فيها وعرِفا أسرارها والأبعاد النفسية لمفرداتها.

الخياطون والصاغة:

        يـا مـْقـَصــَّات قـِصـِّي الـلـَّـون          قـِصـِّي قـْمــاش الـْفـَـســاتـيــن

        يـا مـْقـَصــَّات هـــَوْن وْهـَـون           صـَوْتـِكْ بـِـيـْـحـَـلـِّي الحـِلـْوِين

الفتيات:        وْيــاصـَبـِيـِّـــــة تـْـرَقـْـوَصــِي      وْ يـا مـْقـَصــَّات       قـَصـِقـْصـِـي

الفتيان:        قـِصـِّي مـْن جـْـيـاب الرّجـــال  وْحـِطـِّي عَ خـْصـور السـِّتـَّات                       يـا مـْقـَصــَّات

الفتيات:        خــَلـِّـي الـْكـِـمّ حـَدّ الـزِّيـــــــح      ســاوي الـْقــَبـِّـة والـزِّنـَّـــــــار

               هـايْــدا الـْكمّ صــــار مــْـلــيْح    صار بـَدْنــا نـْكـَبـِّســْـلـُـو زْرار

الفتيان:        قـِصـِّي مـْن جـْـيـاب الرّجـــال   وْحـِطـِّي عَ خـْصـور السـِّتـَّـات                       يـا مـْقـَصــَّات

 

ثم يقتربون من هالة والفساتين والمجوهراتُ بين أيديهم (يـــا أمـِيـْرَة) فتتلفـَّت الفتاة ظانة أنهم يحدثون شخصاً آخر وتستغرب عندما لم تعثر على أحد بينما يكرر الجميع نداءَهم (يـــا أمـِيـْرَة)

هـالة:         مـِـيـْنْ ؟؟      أنــــا؟؟

الجميع:        نـَعـَم إنـْــتِ

هـالة:         أنــــا  إسـْمي هــالة

الجميع:        يـــا أمـِيـْـرَة هـــالـة

هـالة:         أنــــا مـِـشْ أميرة !

الجميع:        يـــا حـَضـْرِة الأمـِيـْرَة    نـِحـْنــا جـِيـْـنــــــــــا

 

ويقدم الحاضرون أنفسَهم وما يحملون للأميرة هالة التي لم تـُخـْفِ استغرابها:

هـالة:         غـِلـْطـانــــــــِيـْن يـا جـَمــاعـَة     أنــــــا بـِبَـلـَدْكـُــــنْ بيـَّاعـــــــة

إذا طـِـمـْعـــــانـيـــــْن             إشـْـتِـري فــَسـاتـِيـْــن           

مـا مـَعـِي إدْفــَعْ يـا جـَمـــــاعة

الجميع: هَوْدِي يا أميرَة هْدِيِّة مْن الملك       المـَلـِكْ يا أميرة باعـِتـْهـُن إلــِكْ

هـالة:         وْليـشْ مْعـَذبْ كتـِّر خيْر الملِكْ

الجميع:                            هَوْدِي هـْدِيِّـة والـِهـْدِيـِّـــة إلـِـكْ

هـالة:         وِعـْـرِفـْـتـُـو شـُـو بَـدُّو مـِنـِّـي؟

الجميع:                                          هـُـــــــــــــــــوِّي بـِيـْـقـِلـِّــــــكْ  

هـالة:         بــَدُّو يـِتـْـعـَرَّف عـْلـَيـِّـــــــــي؟ 

الجميع:                                          هـُـــــــــــــــــوِّي بـِيـْـقـِلـِّــــــك

هـالة:         نـَـقــُّولــِي فـِسـْـتـــــان يـْـليـــق             بـِـمـَـقـــام الـْمـَـلِـــــــــــــــــــكْ

الجميع: ضِحـْكـِت الألـْوان لـَعـَيـْنـَيـْكي          والصِّيـْغـَة مـَرْهونـِة لـَ إيـْدَيْكي  

               نـَقــِّي فــَســـاتـيــــــن             بـالحـُبّ مـْـلــَـوَّنـيـْــن           

والـْحـَلا عمْ يـِلـْعـَب حَوالـَيـْكي

 

تستعرض الفتاة الفساتين الزاهية الألوان والمزيـَّنة بالدانتيل والإضافات وتنظر بدلع إلى نفسها أمام المرآة ثم تقدم لنا أغنية ناعمة للغاية، لحناً وكلمات وأداءً، عن حوارها مع المرآة من نمط الأغنية العذبة (عتـِّم ياليل) في مسرحية "الليل والقنديل".

هـالة:         قالـِتـْـلـِــــــي الـِمـْرايـِـــــــــــة                تـْغـَـيـَّـرْتـِي عـَـلـَّـيـِّـــــــــــــــي

        صـِرْتــــــــي مـِتـْل الـِحـْكـايـِة            وْشـِفـْنـاكــي صـَـبـِيـِّــــــــــــــة

        / تـــاري البـِـنـْت مـْخـِبـَّـايـِـــة            مـْخـِبـَّـايـِـــــة بـِـالـِـمـْـرايـِــــــة / (2)

الفتيات:       قالـِتـْلـِي الـِمـْرايـِـة ..

هـالة:   / بالأوضَة الزَّرْقا فـِستان جْديد       بـَعـْدُو بالـْوَرْقـَة عَ إسـْم الـْعـِيـْد/ (2)

        والـْبـِنـْت الـْ عمْ تـِتـْســــــــاوى            تـِرْخـِي شـَــعـْرا وْتـِـتـْـغـــاوى

        وْتـِتـْمـايـَل رايـِح جــــــــــايـي             وْتـِـتـْـطـَّـلــَّـع بالـِـمـْرايـِــــــــة

لفتيات:        قالـِتـْلـِي الـِمـْرايـِـة ..

موسيقا

هـالة:   / غـِيـْـبي وْلا تـْغـِـــــــــــيـْـبـِي      لا تـْـقــُـولــــــــــــي وَيـْـــــــن

        مـــْرايـِة حـَبيــبـــــــــــــــــــي         لـَــــــــــــــــون الـعـَـيـْنـَيـْـــــن / (2)

        وْلمـَّــــــــا قـَــلا يــازْغـِـــيْـرِة               تـْـحـَلـَّيـْـتـِي وْصـِرْتِ كـْـبـِيـْرة

        صـارِتْ تـِـبـْـكـِي الـْـحـِـلـْوايـِة            وْتـِضـْحَكْ وْتـِضحـَكْ الِمْرايـِة

مجموعة:      قالـِتـْلـِي الـِمـْرايـِـة ..

 

وإذ تنتهي الفتاة هالة من التفرُّج على الفساتين يدعوها شيخ الخياطين للذهاب معه لاستكمال زينتها. في المشهد التالي يلتقي الملك في الساحة مع قائد الحرس والعرَّاف يجيبانه على أسئلته عن الأميرة في حوار ظريف يـُظهـِر الملك بحالة الضـَّعف الناجمة عن أحلام الحب وهواجسه:

الملك:         قـِلـِّـــــي يـــــــاعــــــــــرَّاف

العرَّاف:       نـَـعـَـم يــا مـَـلـِــــــــــــــــــكْ

الملك:         عــْرِفـْـتـُـولـــي الأميـرة           مـِن أيــَّـــــــا أمـــــارَة؟

العرَّاف:       ناطـِرْ كـَركـُـون الغـَيـْب        يــِبـْـعـَـتـْـلـي إشــــــارة

الملك:         وْعِرْفـِت إنـُّو عـْرِفناهـا؟       

العرَّاف:                                  عِرْفـِت وْ مــــا عِـرْفـِت

الملك:         وْعِرْفـِت شـُو بَدْنـا منها؟     

العرَّاف:                                  بـْيـِظـْهـَرْ إنـُّــو عِـرْفـِت

الملك:         اوْصـِفـْـلــي يـاعــــرَّاف                                                         شـُعـُـــــور الأمـــِيـْـــرَة

العرَّاف:       لـَمـَحـْـت بـْـعـَيـْـــنـَيـْهـــا           السـَّـعــادِة الـْمـَخـْزُونــِة

        وْسَقسَقِتْ سَواقي الشـَّوق             بالـْمـَيـِّـة الحـَنـونـِــــــــة

        وْقالت عَصْفورِة الشَّمس             إنـُّو قـَلـْب الأميـــــــــرة

        فاضِتْ فيه شمس البـِكي            وْنـَهـْر الـْهـَنـا غـَمـَرْهــا

الملك:         وْفـَرْجـَيْتـُوها صـُورْتـي؟

العرَّاف:                                  وْقالـِتْ شــــو هالشـَّب ؟      

الملك:         بسّ أنـــا مانـِّي شـَـبّ !!

العرَّاف:       نحنا فرْجينـــــــــــــاهــا           صــــورتـَك العـَتيـْقـَـــة

الملك:         آه يـاعــــــــــــــــــرَّاف            

لا المـــــــلــك ملـِـــــــك            وْلا الـِقـْصور قصــــور

        شـِـعـْلـِة الحبّ الغـَريـْبـِة        حـَـرَقـِـتْ داجــــــــــور

        حـاسـِسْ بـَدِّي نـــــــــام          مـِتـْل الطـِّفـْل وْإحـْلـَـــم

        إمـْشـي بالأيـَّـــــــــــــام           إسـْعـَد وْإتــْـألـــَّـــــــــم

        مـا حـَدا عـَنـْدو جْوانـِح؟              رَكـّـبـُـولـِي جـْوانـِــــح

        حـاسـِسْ بــَدِّي طـِيـْــــرْ         بـَـــــــــــــدِّي طـِيـْــــرْ     

 

ليس من عادة أفراد الحاشية مهما علـَت مناصبُهم التـَّعليق على كلام الملك دون طلبه. يكتفي العراف وقائد الحرس بالإصغاء لما جادت به أحاسيس الملك الرومانسية. ويقطع هذه الحالة دخول شيخ الخياطين وقد أنهى مهمته تجاه الأميرة:

شيخ الخياطين:        يــــامولانـا المـَلـِك       حضـْرِت الأميـرة  

الملك:         يا قايد الحرس.. خلـِّي الحاشـْيـِة تِتـْفـَضـَّـل

القايد:         الحاشـْيـِة تِتـْفـَضـَّـل

 

يدخل أعضاء حاشية الملك ومازالت الأقنعة بيد معظمهم فيحيونه بوقار ويجلسون بانتظار تشريف الأميرة التي تدخل على نغمات عذبة تناسب قدوم فراشة أكثر ما تكون لأميرة ذات حضور ملكي. يحملق العرَّاف بالضيفة القادمة مُتـَُّخذاً هيئة صاحب القرار في حقيقة كون هالة هي الأميرة التي وعدت الأبراج بها، ثم ينبري مؤكداً:

العراف:       هـِــيـِّـي هِـــيـِّــــــي  

الحضور:             هـِــيـِّـي هِـــيـِّــــــي 

الملك:         مـِتـِـــل مــــــا انـْـحـَـكـَـــــى        مـِتـِـلْ ما الأبــْـــراج قـالـِـتْ

        كـِلّ شـِي عـَمْ يـِتـْحـَقـــَّـــــقْ

 

الأنظار متوجهة إلى فتاتنا البسيطة الطيبة التي احتارت نظراتها بالمقابل دون أن تعلم مافي الأمر أو تدري ما تقول بينما يؤكد الجميع للعراف علمه وصدق صلاته مع الأبراج:

الحضور:      صـَدَقـِـتْ  صـَدَقـِـتْ  صـَدَقـِـتْ  صـَدَقـِـتْ  حِكـايـات الأبـْـراج

الملك:         وْ متـِـل مــا انـْـحـَـكـَـــــــى        سـَتـايـِـر الـْلــَّيـْــل مـالــــــتْ

               متـْل الحِلـْم الـْ ما بْيـِتـْصدَّقْ

الحضور:      صـَدَقـِـتْ  صـَدَقـِـتْ  صـَدَقـِـتْ  صـَدَقـِـتْ  حِكـايـات الأبـْـراج

 

تحيـِّي هالة الجالسين ببساطة (ياجماعة مِنـْمـَسـِّيكـُن) يقابلها ردٌّ رسميٌّ يقف الحاضرون معه وينحنون إجلالاً للأميرة التي لم تستطع بعد التخلـُّص من حالة الارتباك فتحدث مضيفيها، بلهجة خالية من اللباقة الملكية ولا تنمُّ أبداً عن انتماء أميري، عن حكايتها مع العيد والفستان والخياطين ثم تبحث عن مهرب من حالة القلق بتوجهها للملك بالسؤال (شـُو ؟؟ بـْغـَنـِّي هـَلـَّق ؟) فيجيبها بلطف (الـلـِّـي بتـْريديه) وتقدم هالة للملك والحاشية أغنية رقيقة تبدؤها بموال هادئ من مقام السيكا (هزام) الملائم لعرض حالة الحبيب المجروح الفؤاد.

جدير بالذكر أن فيروز غنـَّت هذا الموَّال قبل أغانٍ أخرى (مرمر زماني، سيكاه –  ياطيره طيري، راست) في حفلات منوعات لِما له من مكانة محبـَّبة عند جمهورها.

هـالة:   دَقـِّـتْ عـَلى صـَدْري وْقـالـِتْ لي افـْـتـَـحـُو     

        دَقـِّـتْ عـَلى صـَدْري وْقـالـِتْ لي افـْـتـَـحـُو  

                            تـَ شـُوف قلبـي انـْ كـان بـَعـْدو مـَـطـْـرَحـُو

        دَقـِّتْ عـَلى صَدْري وْقـــــالـِتْ لي افـتـَحـُو     

تـَ شُوف قلبي انـْ كــــــان بـَعـْدو مـَطرَحـُو

        وانْ صَحِّ ظـَنـِّي

              وانْ صَحِّ ظـَنـِّي       وْشـِفـْتِ لـُو عِنـْدَكْ رِفـاق

                            باسـْتـَرْجـِعـُـو  وْما بـْعـود خـَلـِّيـْك تـِلـْمـَحو      

وانْ صَحِّ ظـَنـِّي وْشـِفـْتِ لـُو عِنـْدَكْ رِفـاق

باسـْتـَرْجـِعـُـووْبـِنـْسى لـْيـاليـــــــنا العـِتـاق

قـَـلـْبي انْ هـَجـرْتـَـكْ يـِدْبـَحو مـَرَّه الفـِراق

وانْ ضـَلّ عندَكْ 

كـِلّ يـَـــــــــــوم    كـِلّ يـَـــــــــــو و و و و و و م  بـْتـِدْبـَحــو

 

/ حـَبيبي بـَـدُّو الـقـَمـَـرْ         والقـَمـَــر بـْعـِـيـْـــــــــد

والسـَّمــــا عالـْيـِــــــــة             ما بـِـتـْطـــــالا الإيـْــــد / (2)

/ طـْلِعِتْ عَلى السـَّطـْح        دَلـُّـــــو عـْلـَيـِّي النـَّـاس

قــالـُـو مِدْري شو بـِهـا          وْخـَبـَّـرُو الـْحــــــرَّاس / (2)

/ قـِلـْتـِلــُّن بـَدِّي الـقـَمرْ         قـالـُو القـَمـَر غــــــالي

حـَقـُّو عـَشـْر لـْيـــــالي           عـَشـْر لـْيـــالي سـَهــَرْ / (2)

/ وْإلـِي عـَشـْر لـْيـــالي          عَ السـَّطـِحْ سـِهـْـرانــِة / (2)

حـــاسـِّة بـِحـــــــــالـي             نـَعـْسـانـِة وْتـِعـْـبـــانـِة

وْخــايـْـفـِة تـَ نـــــــــام             وْيـِـنـْزَل القـــَمـَــــــــرْ

خــايـْـفـِة تـَ نـــــــــــام             وْيـِـنـْزَل القـــَمـَــــــــرْ

وِيـْـلاقـيـْـنـِي غـافــْيــة          

وْتـِسـِرْقـُو جـارِتـْـنـــــا            ياللـِّي مـْـزاعـْـلـِـتـْنــــا

وْتـِسـِرْقـُو جـارِتـْـنـــــا            ياللـِّي مـْـزاعـْـلـِـتـْنــــا

وْتعـْـطـِـيْه لـَحبيــــــبي           وِيـْحـِبـَّـا حـَبيبـــــــــي

وأنـا صيــر غـَريـْـبـِـة

              وأنـا           صيــر        غـَريـْــــــبـِـة

        وْحـَبيبي بـَـدُّو الـقـَمـرْ...

 

إعجاب الملك والحاشية بالأميرة الفنانة صاحبة الصوت الملائكي لايقل عن إعجاب الجمهور بفنانتهم العظيمة فيروز وهي تتقبل تصفيقهم الحار ووقوفهم احتراماً ومحبة كما وقف الملك والحاشية دهشة وثقة حرَّض الحضور للإعراب عن تمنياتهم لملكهم بالسعادة:

الجميع:        / تـِسـْعـَدْ فيـْــها تـِسـْعـَدْ فيـْهـا    يا مـَلـِكـْنـا تـِسـْعـَدْ فـِـيـْهــــــــا

الفتيات:       وْتـُوعـِد لياليهـا لياليــــــــــهـا      وْ تـِسـْعـَـدْ فـِـيـْـــــــــــهــــــــا / (2)

الملك:         فـِـيـْـنـا نـَعـْرِف يـا أمـِيـْـــــرة              بـَيـِّـكْ مـِن أيـَّـــــــــــا أمـــارَة

 

اللحن الفائق القدرة الطربية في هذه الجملة وما يليها أتى مُعبـِّراً عن حالة الفرح التي رافقت رغبة الجميع في انتصار الحلم واكتمال عناصره.. والمهارة الفنية من هذا النوع تمتليء بها المَشاهد الحوارية الرحبانية التي خلقت من الحوار البسيط العادي غناءً يُطرَب به المشاهدون والسامعون أيـَّما طرب. لقد عرف المستمعون في الثلث الأول من القرن العشرين الطقطوقة والدور في قوالب الغناء المصري التقليدي (سيد درويش وعبدو الحامولي ومحمد عثمان وزكريا أحمد ومحمد القصبجي وصالح عبد الحي وغيرهم) وتطورت تلك القوالب بدءاً من (زكريا أحمد ومحمد عبد الوهَّاب وأم كلثوم ومحمد عبد المُطـَّلب وغيرهم)، وقد أطربت المستمعين الكلمات البسيطة بفعل الصوت والأداء. أما في المدرسة الرحبانية فنحن أمام قوالب أخرى متطورة وتخت مُحدَّث وأداء مختلف بالإضافة إلى أننا نستمع إلى حوار يشترك فيه عدة أشخاص ويشكل جزءاً من جسد العمل المسرحي ونحقق كمية من الطرب لا توصلنا إلى مثلها أية أشكال غنائية مماثلة. ونحن إن حاولنا البحث في التراث الرحباني على (دور) بالمعنى القياسي التقليدي لما وجدنا سوى أغنية (رجعِت ليالي زمان) التي غنتها السيدة فيروز في مسرحية "ناس من ورق".

 

تجيب الفتاة الناعمة ملك المدينة بطريقة تشبه طريقة سؤاله وبالبراءة نفسها دون أن تفكر في الأثر الذي سيتركه جوابها:

هالـة:         أمــَــارة بـَـيـِّـــي الـْخِمـَّــــارة

الجميع:                            يـِه يـِه يـِه يـِه شو عم تـِحـْكي!

 

ولكن الملك لا يريد أن يصدِّق.. لاشك بأن ما تقوله الأميرة جزءٌ من حالة التنكر التي تحدثت الأبراج عنها:

الملك:         يـا أمـِيـْـــــرة عـْرِفـْنا كل شي    أبـُوكي أمير   وْإنتِ مـْنـَكـَّـرة

        بسّ اللـِّي بـْيـِخـْتــــــــــــــــار              هـُـــــــوِّي اخـْـتـــــــــــــارِكْ

        حتـَّى تـْـكـُوني عـَروسـِـتــْنــا

هالـة بـِحَرَج:   يـــا دِلـِّـي أنـــــــــــــــــــــا ؟

الملك:                                           نـَعـَم إنـْتِ عـَــــــروسـِـتــْنــا

هالـة:         أنـــــــــا عـَــــــروسـِـتــْكـُن؟

الجميع:                                          نـَعـَم إنـْتِ يا أمـِيــــــــــــــرة  

/ عـَــــروسـِـة مـَلـِكـْنــــــــــا        عـَــــــروسـِـة مـَلـِكـْنــــــــــا / (2)

هالـة:         أنا مُشْ أميرة وَلا بـَيـِّي أميـْر          أنا بيـَّــــاعة وْ بـَيـِّي فـَـقـِـيــر

الملك:         يا عـَرَّاف شو اللـِّي صــــــار          فـِي شـِي غـَلـْطـة فـَلـَكـِيـِّـــة؟

العراف:       أبـَداً هــِيـِّـي عـَمْ تــِنـَكـُـــــــر

هالـة:                                     لـَـيـْــش بـَـدِّي إنـْـكـُــــــــــرْ؟

        بـَيـِّـي إسـْمـو هـَبّ الرِّيـْـــــح             إمـِّـي إسـْمـا يـَمــامـِـــــــــــة

        خـَـيـِّـي إسـْمـُو ســــــــــــالـِم               إخـْـتـِي إسـْـما قـَطـْف الـْوَرْد

        وْأنا من ضَيـْعـِة دَرَج اللــَّـوز

 

هذا التصريح من قـِبَل هالة أثار الملك والحاشية.. إنها طعنة في صدر الحالم بالحب يقابلها زعزعة في الثقة بالعراف، وهو الأقرب إلى الملك والأكثر تأثيراً عليه:

الملك بغضب:

شـُو يا عـَرَّاف يا تـُرى صــارت       مدينة سيلينا مـَسـْـخـَرْة النـّجـُوم؟!

 

احتجاج الملك وتساؤله أثار الشك في نفوس أعضاء حاشيته.. إيمانهم بالأبراج وثقتهم بتنبؤات العراف مشروطة بتحقيق أحلامهم:

الجميع: يا تـُرى السـَّما هـَجـَرتْ سيليـــــــــنا      وْغـَرَّبـُو الأعْراس وْفـِضـْيـِتْ لـَيالينا

        قـَدَّمـْـنـالـِكْ            يا غـَرِيـْبـِة     قصر المـَرْمـَر وِرْفـَضـْتينــــــــــــا

هالـة:   مـا بـَدِّي إكـْـــــذب عـْلـَيـْكـُــــــن   أنا إسمي هــالة       وْبيـِّي ناطـِرْنـي

        بـْـخـَمـَّـــارِة جـُورِيـِّـــــــــــــــــة               جـُورِيـِّــــــــــة بـْـتـَـعـْـرِفـْنــــــي

        وِبـْـيـَـعـْــرِفـْنــــــي بـَيـِّــــــــــــي       رُوحـُــو اسـألـُو بـَيـِّــــــــــــــــي

 

ليس أمام الملك الآن سوى تجاهل العرَّاف وتنبؤاته التي أثبتت فشلها وولـَّت مصداقيتـُها، واللجوء إلى أسلوب واقعي يتحقق فيها من هذه الشخصية الواقفة أمامه وصِدْق ما تقول:

الملك:  قرِّب يا مسـْتـَشــــــار، وْشلـِّي من إيدَك وجّ الحمـار.. قـِلـِّي شو بدْنا نعمـــِلْ؟

المستشار:     أنا رايـِي نـِبـْعـَتْ حـَدا، عـَلى خـَمـَّـــارِة جـُورِيـِّـة

الملك:         يـــــــا قايـِد الـْحـَرَس

إبعـَت الحرس على خَمـَّارة جـوريـِّة، جيـْبـُو الرِّجـَّال اللـِّي عندا ياللـِّي إسـْمـُو هبّ الرِّيــح، وْجيبو معـُو جــوريـِّـة، وإنـْتِ يا غـَريـْـبـِة تـْفـَضـَّـلـِي عَ القــَصـر

هالـة:         أنــــــــا خـَلـُّوني بالسَّاحة       حتى يـْكون إجـا بـَيـِّـــــــي

الملك:         خـَلـُّوهـــــــــا بالسـَّـــاحة         اكـْرُمـُوهـــا واحـْرُسوهـــا

               تـَ نـْكـُون عـْرِفـْنا الحَقيقة             لازِمْ نـَعـْرِفْ الـْحـَقيــــــقة

 

الأمل الوحيد المتبقي للملك قبل أن تتحطم جميع أحلامه هو ما ستقدمه خمَّارة جورية من معلوماتٍ بقي قائد الحرس وعناصره في الساحة مع هالة من أجلها، بينما غادر الملك والآخرون والغضبُ والقلق ملأّ وجوهَهم.

يتوجه القائد بسؤاله إلى الأميرة بصيغة امتزج فيها الإتيكيت الملكي بالجدِّية في تنفيذ الأمر السامي المتعلق بمصير ملك البلاد:

القائد:         بْتـِسـْمَحي تـْدِلـِّي الحرَّاس      عـَلى خمـَّارِة جوريــــــة؟

هالـة:         يـا حرَّاس..

        في مـَفـْـرَق طـَـريـْــــــق   بـَيـْن تـلاتْ طرْقـــــــات

        طـَريق اللـِّي نـــــــــازِلْ          نـــــــــــــازِلْ

        طـَريق الـْ عَ السـَّهـِـــــلْ         عَ السـَّهـِـــــلْ

        والطـَّرِيـْق الطـــــــــالـِعْ           بـِـيـْـوَدِّي عَ دَرَج اللــَّــوزْ

        بـْتـِمـْشـُـــــو شــــــــوَيّ            وِبـْتـِمـْشـُـــــو شـــــــــوَيّ

        وِبـْتـِرْجـَـعـُــو تـِمــْشـُــو           تـِمـْشـُـــــو شـــــــــــــوَيّ

        وهالـْبـَيـْـت العــَتـِيــــــْق          عَ جـَنـْــب الطـَّريــــــــــق 

        هـُوِّي خـِمــَّارِة جوريــِّة          وْعـَمْ يـِـسـْكـَـرْ فيها بـَيـِّـي

        جيـْـبـُـــــــو جــوريــِّـــة            وْ جيـْـبـُـــــــو بـَــيـِّـــــــي

 

ويطلب القائد من الأميرة إعادة وصف الطريق إلى الخمارة ضماناً لتفهم الحراس ثم يطلب منهم أنفسهم الوصف تأكداً من استيعابهم. وقد جاءت هذه الوصلة بقالب كوميدي ولـَّد حالة من المرح والضحك عند المشاهدين.

يخرج الحراس إلا واحداً بقي في الساحة لحراسة الأميرة ريثما يعودون من خمارة جورية بمن تدعي هالة أنه والدها. وتبقى أميرتنا واقفة لوحدها إلى أن تصل إليها الفتاة (سهرية) التي أحبتها جداً والبعض من أهالي الحي الشعبي وقد دفعهم فضولهم للتحدث إلى عروسة الملك.

تقترب سهرية من هالة فتدعوها للدخول إلى أحد بيوت الناس (رَحْ تـِتـْعـَبي مـْن الوقوف) بينما تصر هالة على البقاء انتظاراً لوالدها الذي لن يتأخر لأنه (هبّ الرِّيح،      وْهـَلـَّق بْيـِجي عَ فـَرَس الرِّيح) ولأنه يعلم بأنها مشتاقة لبلدها (وْبيرَجـِّعني عَ درج اللـَّـوز).. وهنا تجد الفتاة الطيبة الفرصة ملائمة لوصف ضيعتها وعائلتها لأهالي الحي الشعبي الذين أحبوها:

هالـة:   بـَلـَـدي دَرَج اللـَّـــــوز    أربـَـعْ خـَمْس بـْـيـُـوت   وشـْوَيــِّة شـَجـَـــــــــرْ

        بـَلـَـدي دَرَج اللـَّـــــوز    بالـْجـَبـَـل العـالــــــــي     بـِـخـْـيـال الشـَجـَــــــرْ

        طـَلـِّـــــة القــَمــــــــر       وْوَرْدِة الســـــــــَّـهـَـرْ      بـَيـْتـِي بـْدَرَج اللـَّـــوزْ

        بـَـيـْـتـْـنــــا ابـْــوابـُـــــــــو     مـْـشـَـقــِّقـْهـــــــا الـزَّمــانْ  

        عَ سـْطـُوحــو في محْدَلـِـة      مـِـنـْـسـِـيـِّــة مِــنْ زَمـــانْ

        وْإمـِّي وْإخوتـِـــــــــــــــي    بـِـيـْـلـِـمـُّو حـَـطـَــــــــــب

        لإيــــــــــــام التـَّـلـــــــــجْ     بـِـيـْـلـِـمـُّو حـَـطـَــــــــــب

        وأنـــا من إيـام الطـُّفـولــِة       مـْخـِبـَّايـــــة لـِـعـَـــــــــب

 

ثم تعود هالة لتـُذكر الناس بحالتها وبانتظارها والدها الذي سيأتي حتماً بوجهه الضاحك ويصطحبها عائدَين إلى بيتها الذي لا يمكنها التخلي عنه (مشْ رح نام إلا فيكي يا درج اللوز.. مشْ رح ضيع إلا فيكي يا درج اللوز.. مشْ رح إلـْقي راسي إلا عـَلى مـْخـَدّة أهلي بـِفـْراش العـَتيق.. بـِدرج اللـــــــــــــوز). يتذكـَّر هذا المقطع مَن يستمع إلى السيدة فيروز في مقابلاتها عندما تعرب عن ميلها إلى البساطة (مازلت أحنُّ للحصيرة حتى الآن).    

 

بهذا المشهد ينتهي الفصل الأول من المسرحية. سيلاحظ مستمعو المسرحية في القرصين المضغوطين أن الفصل الأول ينتهي في القرص الثاني وليس مع نهاية القرص الأول لأسباب تقنية.

يبدأ الفصل الثاني بمقدمة موسيقية حالمة تذكرنا بعض جملها بموسيقا "شهرزاد" لريمسكي كورساكوف. فالفتاة هالة التي عاشت نهاراً شديد الاختلاف عن الأيام التي عاشتها في حياتها المعتادة أنهكها التعب وطول انتظار والدها وغالبها النعاس فاتـَّكأت بجسدها ورأسها على المقعد الحجري في ساحة المدينة ولا أحد بجانبها سوى الحارس الصامت و(سهرية) التي اعتبرت نفسها موفورة الحظ إذ ترى الأميرة ليس بعيداً عن دارها المتواضعة وقد أتتها بإبريق من الماء علـَّها تشرب من يدها فتزداد سعادة الصبية التي كانت تنتظر وجيرانها عيد الوجه الثاني وسهرته بفارغ الصبر، وهاهم الآن ينتظرون عرس الملك وهاهي العروس بينهم تودع الحياة العادية قرب البسطاء قبل أن تنتقل إلى قصر الملك حيث ستفصل بينها وبينهم جدرانٌ عالية.

تغني سهرية بهدوء وبصوت يحمل حنان الأم للأميرة (نامي يا صبية.. واسـْهَري يا مـَيـِّة.. وْطيري يا غـِنـِّيـِّة) متمنية لها الأحلام السعيدة، فالنوم (سـَفـَر) مليء بأجمل الصور (وْ ريف العينين شـْراع مـْحـَمـَّل بالصـُّوَرْ)

سكون الليل يخرقه مجيء شخص يعيش خارج حدود التوقيت واللباقة ولكنه لا يخلو من الظرافة وحسن الإدراك. إنه الشحـَّاد الذي تقنـَّع في الصباح بوجه يوحي بالحائط ويأخذ في الغناء دون اكتراث بنوم هالة       

الشحاد:       هـَرَب العـِـيـْـد   وْرِجـِع اللـَّيـل   يـْجـِرّ الوحـْـشـِـــة

               عـْمـِلـْنا وْجــُوه         وطـِلـْعـِت بالآخـِر مـاشـــي   

               يـــلاّ فـَـرَطـِـتْ

 

الشحـَّاد يعيد على مسامعنا سرد أحداث هذا اليوم التي أفشلت العيد وأربكت الحاشية والناس والملك أيضاً ولم تكن نهايتها إلا (مـاشـــي) و (يـــلاّ فـَـرَطـِـتْ)، فنوم عروسة الملك في الساحة دليل ضعفه:

الشحاد:        عـَزَمـْها المـَلـِك حتـَّى تـْنام بـْقــَصـْـرو،  قـالِــت لأ..

وْضـَـلـّــِتْ بالســَّاحـة

               عـَزَمـْها النــَّعـَس       قـالِـــــت إيْ    و نامِــتْ     

               النــَّعـَس أقـوى مـْـن المـَلـِك !!

 

تقترب سهرية منه منبهة إياه وطالبة منه الصمت كيلا يوقظ الأميرة، ومغادرة الساحة إلى بيته كي ينام ولكنه يرفض مُعبـِّراً عن أسفه لما حصل:

الشحاد:       إلـْنـا سـِنـِـة نـايـْمِيـــــن          تـَ نـِسـْـهـَر الـْـلـــَّيـْـلـِـة

               إجـِتْ هالـْـغـَـريبـِــــــة            خـرْبـَطـِت السـَّــــهْـرة

               وْوَعـِّت النـَّاس وْنامـِت

 

للشحاد مفاهيمه الخاصة ومتطلباته.. هو لا يحبُّ رغم أنه لا يكره. الأميرة الغريبة لا تعني شيئاً بالنسبة له؛ أسوأ مافي الأمر أن سهرة العيد ألغيت وهذا ما أدى إلى إحباطه ويأسه (يـــلاّ فـَـرَطـِـتْ)، ولكنه مع هذا سيبقى متنكـِّراً بوجه الحائط إلى أن يتهدم على أحد أو يكتب عليه آخر. وإذ لم يجد الشحاد فائدة من بقائه في الساحة يغادرها.

أهالي الحي الشعبي الذين وصلهم خبر وجود الأميرة في الساحة توافدوا إليها بمزاميرهم وطبلاتهم يقصدون تسليتها وبث الفرح والغبطة في نفسها فتوقظ جـَلـَبـَتـُهم هالة التي تبادر إلى سؤال سهرية (إجـا بـَيـِّـي؟) فتجيبها (لأ.. أهل الحي الشـَّعبي جايين يـْسـَلـُّوكي).

الأهالي:       يـا أميرَة.. ياللـِّي بدّا تـْصير   أمـِيـْرِتـْـنــــا مـَلـِكـِتـْــــــــنـا

        رَحْ نـِرْقـِصـْلـِـــــــــــــــــكْ    وِنـْغـَـنـِّـيـْــــــــــــــــــــــلـكْ

        قــَبـِلْ مـا حـِيـْطــان القـَصـْر    تـُـوْقـَـفْ بـَـيـْـنـَّا وْبـَيـْنـِـــــكْ

        بـَدْنـــا نـْـقــُـول لـْحــــــالـْنـا وِنـْـخـَـبـِّـرْ عـْـيـالـْـنـــــــــــا

        إنـُّـو فـي أمـِيــــــــــــــــــرة   قـَـعـْـدِتْ بالســَّـــــــــــــاحـة

        مـِتـْل النـَّـاس الـبـُسـَطــــــــا       وْحـاكـَـيـْـنـاهـا وْحـاكـِـتـْـنــا

هالة:          يـا حـَســِرْتــــي عـْـلـَيـِّـــــي شـُو بـِقـْدِرْ إعـْـطـِيـْـكـُـــــــن

الأهالي:       نـِحـْنـا بـْيـُـوتـْـنــــــــــــــــــا    ابـْـوابـــــــــــا واطـْيـِــــــــة  

دْرُوبــــــــــــا ضـَـيـّـقـــــــة

لا الشـَّمـِس وَلا الـْـقــَمــــَــرْ    بـِيـْـفـُوتـُو يـْزوروهـــــــــــا

وَ لا الـْـمــَـلـِــــــــــــــــــــكْ

        مـاحـَدا بـْيـَـعـْرِف قـِصـِّتـْـنا

        مع الـْـخـِبـْز الأســــــــــــْوَد        والـِـفـْـراش الرِّطــِــــــــــبْ

الأهالي:              إذا صـِرْتـي مـَلـِكـِتـْــــــــنـا تـْـذكـَّـرِي حـالـِـتـْـنــــــــــــا

       

اللقاء من دون موعد مع أهالي الحارة الشعبية في مدينة سيلينا أثار في نفس هالة مشاعر الشفقة والمحبة مع أنها في حالة اضطراب وقلق. عندما جاءت هالة مع والدها إلى سيلينا كانت تظن الناس في مملكة سيلينا سعداء وأغنياء ولديهم الوقت والمال كي يحتفلوا بعيد التنكر ويشتروا الأقنعة دون تردد. غير أن احتكاكها بأهل الحارة الشعبية أطلعها على صور أخرى:

هالة:          بـِمـَـدينـِـة سـيـْلـيـْـنــــــــــــا   كـَـمــان بـْيـِـسـْـكـُـن الـْـفـِـقر؟

 

سؤالٌ بريء من صاحبة قلب كبير يتـَّسـِع الطيبين.. هي فقيرة وكانت تظن الجميع في سيلينا أثرياء وأنه ليس هناك فقرٌ مثل فقر درج اللوز.. لابدَّ لأهل الحارة الشعبية من الجواب الصريح،  فالفقراء لا يـُخـْجـِلـُهم وضعـُهم:

شاب:         مملكــْة الفـِـقــْر كـْبـِيـْــــــرِة        وَيـْن ما كان في إلـْها بـْيـُوت

        وحـَــدّ قصــــــر الملـِـــــــك        فــــــــــــي إلـْهـــــا بـْيـُــوت

        والـْفـقــْــــر بـِـيـْـصـَــــــرِّخ   والسـَّـعــــادِة مـِـلـْـهـِـيـِّـــــــة

الأهالي:       وِبـْلـَيــالي الشـِّتـِــــــــــــــي   وإيـــَّــــــام الشـِّتـِــــــــــــــي

               مـْنـِتـْلـَـفـْـلـَـفْ بالرِّيـــــــــح  وِبـْهـــَــــــمّ الشـِّتـِــــــــــــــي

 

تأثـَّرت هالة ثانية.. ولكنها، لكونها تلك الفتاة الفقيرة وابنة الضيعة المتواضعة، فإنها لا تريد لهؤلاء الطيبين الوقوع في حالة التشاؤم وبراثن الضغينة فتغني لهم واعدة:

هالة:          بـِيـْعـَدلـْهــا الـْ بـِيـْــــــــعـَدِّل يا أهـل الشـِّتـي والرِّيـْـــــــــح

        بـِيـْعـَدلـْهــا الـْ بـِيـْــــــــعـَدِّل وِبـْيـِمـْـرُق عِـمـــْـر مـْلـِيـْــــح

هالة بالتناوب مع الفتيات:    بـِيـْعـَدلـْهــا الـْ بـِيـْــــــــعـَدِّل... (3)

 

هذه الإلتفاتة من الأميرة لاقت قبولاً عميقاً عند الناس الذين اتخذوها دعوة للفرح وهم من أجله قادمون. تبدأ الشخصيات التقليدية المرحة المعروفة في أفراح الحارة الشعبية بالتقدم من الأميرة وإلقاء التحية والرقص على نغمة شعبية الطابع، ما تلبث الفنانة فيروز أن تحوِّلهـا إلى دبكة شعبية على إيقاع حيوي جميل والمقام (بيات – نوا):

الفتيات:        هـايـْـــــدا إسـْمــــــــــو الــــــــدِّب     بـْـيـِـرْقـُــــص بـِالابـْـــريـْــــــــــق

        إسـْمـــــــــــا الـحـَـجـْـــــلـِــــــــــة بـْـتـِـرْقـُـص بـِالـْـــمـَشـْـــــــــــــلح

        هايـْـــــــــدا الـْـبـَهـْــلــــــــــــــوان       بـْـيـِـرْقــُـص بـِالعـــــصـَـــــــــــــا

 

هالة:          عَ الـْـكـَـرْم انـْــزَلـِــي ياجارتــْـنــا   عنـْـقـــُودو حـِلـِي يـاجارِتـْـنــــــــا

        سَهـَّرُوكي كـْتير وْغـَيـَّروكي كتِيـر      وْضـَـلــَّـيـْـتي إلي يـاجـارِتــْـنــــــا

الفتيات:        عَ الـْـكـَرْم انـْزَلـِي...

هالة:   / إيـَّام الـبـَيادِرْ غـِنــَّـيـْـــنـا ســـــوا كان الحَكي دايـِرْ عَ مْهـَبّ الهَـــوا/ (2)

        والـْتـَـقـَـيـْـنـا واشتـَكـَيـْـنـــــــــــــا       واشــْـتـَلـْقــُو عـَـلـَيـْنـا يـاجارِتــْـنـا

سَهـَّرُوكي كـْتير وْغـَيـَّروكي كتِيـر      وْضـَـلــَّـيـْـتي إلي يـاجـارِتــْـنــــــا

الفتيان:        عَ الـْـكـَرْم انـْزَلـِي...

هالة:   / تـَعـْبِت الرَّسايــِل مِنْ حِبْر البـِكي    يا زَهـْر الجَدايـِل لـَوْنـَـكْ لـَيـْلـَكـِي/ (2)

        وَيـْن مـْخـَبـِّي هالـْمـَحـَبـِّـــــــــــــة    وْتـْضـَـلــِّي بـِقـَلـْبي يـاجـارِتــْـنــــا

الفتيان:        عَ الـْـكـَرْم انـْزَلـِي...

هالة:   بـَعـْدا هالـْيـَمامة عَ السـَّطْح بـْتـِجـي     بـْحـَمـِّلـْها سـَلامي وِبـْقـِلا اكـْرِجي/(2)

       أنـا لافـــِي مـْـن الـْحـَـفـــــافـــــــي   رحْ قـِلـِّـكْ عـَوافـِي  يـاجـارِتــْـنـــا

الفتيان:        عَ الـْـكـَرْم انـْزَلـِي...

 

بانتهاء الأغنية والدبكة يخرج الجميع من الساحة وتبقى هالة بأمر قائد الحرس الذي وصل لتوِّه وقد اقتاد عناصره جورية وهبّ الريح الذي بدا منزعجاً من اقتياده دونما سبب:

هب الريح:     سـِهـْرانين وْمبـْسوطين.. إجو الحرَّاس مـَسـَكـُونـا.. ياعـَمـِّي شـُو في؟

قائد الحرس:   إنـْت إسـْمـَكْ هبّ الرِّيــح؟

هب الريح:     نـَعـَم.. وْهايـْدي جـُورِيـِّة

 

وتثب هالة كالطفلة فرحة بأبيها (بـَيـِّـي!!) الذي بدا مندهشاً من أناقة ابنته وزينتها والحليِّ في يديها وعنقها (هناك سرٌ في الأمر)! لذلك رأيناه يتردد في الاندفاع للسلام على هالة ويتوجه بحديثه إلى قائد الحرس (خير انـْشالله ؟) 

قائد الحرس:   هايـْدِي بـِنـْـتـَكْ؟

هب الرِّيح:     أمـَّا سـُؤال!!

قائد الحرس:   إذا بنـْتـَكْ قــُـول

هب الرِّيح:     بَدِّي أعـْرِف لـَيش؟

قائد الحرس:   إذا كانتْ بنـْتـَكْ بتـْكون بنـْتـَك

هب الرِّيح:     وْإذا لأ ؟

قائد الحرس:   إذا لأ.. بـِـتـْـكـُون بنـْـت الأمير.. وِبـْـيـِتـْجـَوَّزها المـَلـِكْ

 

الموقف الذي وُضـِع فيه الرجل ليس سهلاً. ولكن (هبّ الريح) الآن ليس كما هو وقنينة العرق في يده. إنه أمام حالة حرجة تتطلب جرأة لاحد لها. فهالة وهي ابنته لا فرصة أمامها سوى العودة إلى درج اللوز. أما هالة التي لا يعرفها فهي (أميرة بنت أمير) والفرصة أمامها ذهبية لا تـُعوَّض.

يتنقـَّل هبّ الريح بنظره بين هالة وجورية وقائد الحرس ويذهب به خياله بعيداً كما لو كان فوق أرجوحة مداها درج اللوز من جهة وقصر الملك من الثانية فيزوغ نظره برهة يـُتـْبـِعـُها بهزَّة لرأسه الذي أيقظـَه الحدثُ الكبير من سكرته:

هالة:          بـَيـِّـي

قائد الحرس:   بنـْتـَك ؟؟

هب الرِّيح:     لأ.. أنا مـا عنـْدي وْلاد

 

تتفاجأ هالة وتحاول الاستنجاد بجورية التي أدركت بسرعة كبيرة الأمر الذي تعني شهادتها فيه الكثير.. لذا تتوجه إلى قائد الحرس مؤكدة صحة قول هب الريح، زبون خمارتها الوفيّ:

جورية:        هـُوِّي مانـُّـو مـْجـَوَّز

هالة:          بـَيـِّـي هبّ الرِّيح !

هب الرِّيح:     يا حضـْرِة الأميرة.. ياريتـْني بيـِّكْ.. أنا مـُشْ بيـِّـك

هالة:          قولـِيـْلـُنْ ياجوريـِّة

جورية:        ياعـَروسة المـَلـِك.. اعـْذرينـي.. ما تـْشـَرَّفـْت بـْـمـَـعـْرِفـْـتـِكْ

 

هذا الإعلان من جورية والذي يؤكد صحة ادِّعاء هبّ الريح وبُطلان ادعاء الفتاة يمثل ما يتمناه قائد الحرس الذي يود أن تكون الأميرة عروساً للملك تـُسعد قلبه فوراً (كلّ شي تـْـوَضـَّـحْ.. والأميرة أميرة، رايح خـَبـِّر المـَلـِك)

       

يخرج قائد الحرس وعناصره مهرولين باتجاه القصر بينما تبقى جورية وهبّ الريح الذي أدار ظهره تفادياً لنظرات ابنته الحزينة والتي لم تنتظر طويلاً لإبداء الملامة:

هالة:          هـَـيـْـك بـْتـِـنـْـكـِـرْنـِي يا بـَيـِّي ؟

هب الرِّيح:     أنـا ما نـَـكـَـرْتـِـكْ يا بـِنـْــتـــي

هالة:          والـْلـِّي قـِـلـْتـُو.. والـْلـِّي عـْـمِـلـْتـُو ؟

هب الرِّيح:     يـا هـالة.. صار وْصـار وافـْـتـَـكـَـروكي أميرة

        وْبـَدِّكْ تـْصـِيـْري عـَروسـِة المـَلـِك.. بـِعـْـتِـكْ للسـَّعـادِة

هالة:          وْبـِيـْصير تـِـنـْـكـِـرْنـِي ؟

هب الرِّيح:     لـَكـَنْ بـْخـَلـِّيـْـكي تـِرْجـَـعي تـْعـِيـْشي بـْدَرَج اللـَّوز؟

        شــُو في بـْدَرَج اللـَّوز؟

        هالـْ كـَم بـَيـْت مـْشـَقـَّـقـِيـْن..

        وْنـاطـْرين العـاصـْفـِة تـَ يـْهـَبـّطـو

ادْراجـُنْ مـا عادو ادْراج.. والزَّوايا هـَبـّطـو

 

بعيداً عن الخمارة استيقظ في هبّ الريح الرجل الواعي الذي حرَمتـْه الأيام حتى من حقـِّه في الاحتجاج. درج اللوز ببيوتها العتيقة وأشجارها الكهلة وأحوال أهلها الفقراء لا تعني بالنسبة إليه شيئاً عدا الكآبة واليأس.. وطالما أن أغلب الرجال حوله قادهم التشاؤم والعَوز إلى انتهاز الفرص فلـِمَ لا وقد أتته الذهبية منها:

هب الرِّيح:     شــُو في بـْدَرَج اللـَّوز؟        هالـْ كـَم شجـْرَة مـْقـَصـًّـفين    

عمْ يــِيـْبـَسـُو عَ حـْفـافـِيــــا التـَّـلـْـج قـاعـِـدْ يــِـمـْحــِيـــا

        طـَيـْـر الـِمـْـســــــــــــــافـِرْ   مـا بـْيـِرْتـــــاحْ عـْـلـَـيـــــــا

وْعــَـلـَـى كـِـتـْـر البـَــــــرْد   النــَّـار ما بـْـتـِشـْعـَل فـِـيــــا

لـْوَيــْن بـَدِّكْ تـِـرْجـَـعـِـــــي  حـَتـَّـى تـْـنـامـِي عَ الأرِض!

وْ نـِسـْـهَر عَ صـَوت الدِّيب    والرَّيح تـِعـْصـُف بالأرِض!

وْكلّ مـا شـَـتــِّتْ الشـَّتـْويـِّة      تـْزُوغ عَينـَينا عَ سـَـقـِفــْنــا

وْنِحـْمــُــل الشــَّمـْسـِيــّـــــِة  أحْلى السَّطِح ما يدْلف علينا

لا يا بنتي.. لا يـــا هـــالـة      نـَدَهـِك الغـِنى  نـَدَهـِك الهَنا

هِـنـِّــي أقــــْـوى مــِــــنـِّـي   سـَـرَقـُـــــــوكــي مــِــنــِّــي

وْلا أنــــــــــــــا بـَـيـِّــــــكْ     وَلا إنـْتِ بـــِنـْـتـِــــــــــــــي

 

فظيعٌ الإنسان في لحظات الضَّعف.. هبّ الرِّيح يظن أن ما فعله إنما هو في مصلحة ابنته.. فلقد باعها للسعادة، ومن يدري.. فربما انعكست هذه السعادة عليه بالمزيد من المال لتغطية نفقات إدمانه. هو يفسر الأمر من الناحية المادية فقط وقد عبـَّرعن كرهه لشروط معيشته ولتواضع الضيعة.. إن الصمود أمام إغراءات هذه الفرصة لا قيمة له.

أما هالة فالقضية عندها ليست كذلك. نحن هنا أمام صراع بين الفتاة المتمسكة ببيتها وإن كان سقفه (يـَدْلـُف) وبأشجاره وإن كانت متشققة الجذوع وبأهالي قريتها البسطاء الطيبين، وترفض إغراءات سيلينا وقصرها وملكها الحالم:

هالة:          أنـا بنـْـتــَــكْ وْإنــتَ بـَيـِّــــي       وْ مـا فـِيـْنـــا نــــِتـْغـَيـَّــــــــر       

إنـْــتِ وْإمـِّـــي وْدرج اللـَّوز      وبـْيـُـوت الضـَّـنا.. إنت وأنا

أنا بْهـاك الأرض مشـْـلوحـة    هـَونيك عَ ادْراجا المَجْروحة

أنـا مـَشــْدُودِة بـْسَقـْف البيـت    مْسـَمـَّرَة عَ خـَشـْبِة الشـِّـبـَّاكْ

عـَيـْنـِي عَـلـَى الشـِّبـَّــــــــاك       وْعَ احـْجـــــــــــــار الـْبـَيـْت

 

ترْكُ المكان الذي تـُحبّ خطوة على طريق الموت. مايراه هبّ الريح صوراً لضنك العيش تراه ابنته هالة جزءاً من حياتها. لقد تسمَّرت بحيطان البيت وسقفه وحجارته ولن تتركها حتى ولو كان المقابل قصراً وجلالة. وهي ترى أن أحلام والدها هشـة فقدت جمالها، وتـُوعـِزها آسفة إلى صحوته:

هالة:          الظـَّـــــــاهـِــرْ يـا بـَـيـِّــــــي جـِـيـْـتْ مـِش سـِكــــــــــران

إنـْــتَ وْصــــــــــــــــــاحـي   ضــَيـَّــعـِــتْ حــــــــــــالـَـكْ

لا في قـِصــــَص حـِــــلــْـوِة       عـَمْ تـِنـْحـَكـى بـْـبـَــــــــالـَـكْ

لا في طـُفـولـِة وَلا بـُطـُولــِة     وَلا شـَـمـِسْ تـِـضـْــــــــــوِي

إنـْــتَ وْصــــــــــــــــاحــي   تـــْـغــَـيــَّـرت عـَـلـَـيـِّــــــــي

                     وأنـا مـا عـْرِفــْــتــَــــــــــــكْ

ارْجـــــــَع اســْـكـَـــــــــــــر    وارْجــَـــــعْ بـَـيـِّـــــــــــــــي

                     وْرِدّنـِــــــــي بـِـنـْـتــَـــــــــكْ

 

الأرجوحة التي حملت في أنشوطتها الأخيرة الوالد الضعيف إلى قصر الملك الفاخر وحياته المخملية أعادتها إلى الساحة الفتاة الطيبة البسيطة في حياتها والقوية في إرادتها وأعادت فيها أباها وقد ترقرقت عيناه بالدموع إعجاباً بابنته ومحبة.. وخجلاً مما فعله يقول:

هب الرِّيح:     سـَبـَقــِتــْــــنـا الـْـغـَـلـْـطـــَـة   سـَبـَقـِـتــْــــــنـا الـْـغـَـلـْـطـَـة

الغـَلطة صارتْ أكـْبـَر مـِنـَّا     وْصـارِتْ أحـْـلـَــــى مـِنـَّـــا

 

اعتراف هبّ الريح بغلطته لن يغير في الأمر شيئاً. يمسح الرجل الدَّمع عن خديه ويخرج بينما تقترب جورية مودِّعة (الملكة هالة) آملة بأن تتذكرها وتتذكر فضلها على من كان أباها (ياللـِّي إسمو هبّ الريح) ولم يبق للفتاة الحزينة إلا (سهرية) التي أحبتها ودَعتها إلى غرفتها منذ الصباح:

هالة:          سـَهـْـرِيـِّـــــــــــــة سـَهـْـرِيـِّة   خـِديـْنـــــــــي لـَعـِنـْــــــــدِك

خــــلـِّيـْـنــــي إتـْخـَبـَّـــــــــــا   بـِأوضـْتـِك البـَيـْضــــــــــــا

مـْنِ عـْـيـُـون السـَّـمــــــــــــا

       

هناك، على الجانب الآخر فرحٌ في القصر الذي وصلته أخبارٌ تفيد بالتحقـُّق من صحة كون هالة هي الأميرة التي أرسلتها النجوم والكواكب.. ولفرحه وسعادته بما وصل إليه قرر الملك أن يـُطـْعِم أهالي سيلينا على حسابه أربعين يوماً وليلة اعتباراً من هذه الليلة التي سيكون فيها عرسه.

بعد إعلان قائد الحرس قرار الملك تقدم فرقة الرقص دبكة استعراضية على نغمة احتفالية وتخرج من الساحة خلف قائد الحرس بينما يهرول إلى مقابل غرفة سهرية المستشار ثم أمينة الصندوق يليهما العرَّاف وآخرون وكلٌ يـُدلي بدلوه لـِ (سهرية) مبرِّراً قدومَه لرؤية الأميرة لغرضٍ مهم!. ولم تفسح المجال لأحد كي يقلق راحة الأميرة التي تتهيأ لعرسها (مشْ عـَم تـِرْضى تـْقابـِل حـَدا)..

المشهد يظهر مدى التملـُّق للأميرة من أجل المصلحة الذاتية قبل أن تصبح ملكة القصر! والجـَلـَبة التي أحدثها الجمع أخرجت هالة من (الأوضة البيضا) لتفاجيء الجميع:

هالة:          يـــا أهــالي سـيـليـنـــــــــــــا خـَـبـُّــو طـَـلـَـبـــاتــْكـُــــــنْ

        مِـشْ رَح إتـْـجـَـوَّز الـْمـَلـِــكْ

  الحاضرون:  مشْ رَح تـِـتـْـجـَـوَّز الـْمـَلـِــكْ     يـِـه يـِـه يـِـه يـِـه... لـَيـْـشْ؟

كـِيـْـــــــف ؟ شو صــــــار ؟      يــا عرَّاف شـُو القـَضـِّيـــِّة؟

وْعـَـدْنـا حــــالـْـنــــــــــــــــا    بـْمـَنـافـــــِـع الـْعـِـــــــــرْس

 

حلَّ القلق والارتباك واستطالت وجوه الجميع فأخذوا يتبادلون نظرات الدهشة ويقلبون شفاههم وأكفـَّهم حيرة وانكساراً وعـَلـَتْ على وجه العرَّاف علامات الذعر فاقترب من هالة التي وجدت لها حجراً صغيراً فجلست عليه متجاهلة الحشد الملكي وفستان العرس وطرقات قلوب الواقفين:

العرَّاف:       دَخـِـيـْـلـِكْ لا تـِفـْـضـَحـِيـْـنـــا      والـْكـَواكِب قالـِتْ عَ العـِرس

        مِـشْ مأنـُـــوسِة إنــُّو هـَيـْـــك     تـْـكـَذبـِي الكـَـــــــــــــواكــِب

بـِرْج الدَلو      بـِرْج الحَمَـل    شـُــــو عـِمـْـلـُولـِك يـاحـرام؟

                            قـَـدَّيـْش اشـْتـَغـْلـُولـِــــــــكْ!!

 

نبرة كلام العراف ومن تلاه والجمل القصيرة السريعة المتتابعة وما رافقهما من إيقاع يشبه طرقاتِ قلوب الوجـِلين تـُصَوِّر مدى الاضطراب الذي أحدثته هالة بين أعضاء الحاشية:

المستشار:     أنـــا المـُسـْـتــَشــــــــــــــــار خـَلـِّيني شـُور عـْـلـَيـْكـــــــي     

إذا شـــــايـْفـِــــــــــة المـَـلِـك        أكبر مِنـِّك     أحْسـَن إلـِكْ

إنـْـتِ خـِدِيــْه   واسـْتغـِلـِّيـْه     وْ أنـــا مـُسـْـتــَشـــــــــــارِكْ  

 

أهالي الحي الشـَّعبي منطلقهم في هذا مغاير. فهم يفكرون بما ينالهم من تكريم دون طمع أو خداع:

الناس:        لازِمْ يـْـصـِيـْــــــر عـِـــــرْس  

حتـَّى نِـقــْدِرْ نـــــــــــــاكــُـلْ أربـْعين يَوم عَ حساب المـَلِكْ

أمينة الصندوق:       أنـــا أمـِيـْنـِة المــــــــــــــــال        لازِمْ العـِـــــرْس يـْـصـِيـْـــــرْ  

ســـاعـِـتــْـهـَـا مـْــــــــنـِقــْـدُر نِصـْـــرُف كـْـتـِـيـْـــــــــــــــرْ  

وْلمَّا بيصـِيْر مَصْروف جْديدْ أنـــا وْإنـْتِ مـْنـِسـْـتـــْـفــِيــْـــدْ

 

ويتدخـَّل الآخرون في مسعىً جدِّيٍّ لإقناع الأميرة التي يتوقف على موافقتها بالزواج من الملك الكثير:

أشراف المدينة:        وِافــْتـِرْضي مانــِّـــكْ أميــرة      لـِـحـِـــــــــقْ وانـْـخـَــــــــــدَع  

شــــــُو عـْـلـَـيـْـــــــــــــــــــه    خـَـلـِّـيـْـكـِــــــــــي أميــــــــرة  

 

أما زوجة العرَّاف المعروفة بـِ (حشمتها وإخلاصها لزوجها) فلديها رأيٌ في احتمال أن تكون هالة غير معجبة بهيئة الملك (إذا شكـــل الملك مـِشْ كتيــر     تـْجـَوَّزيـْه وْبعـْدِيـْــــــــــن....)

لم تـُعجب الأميرة إطلاقاً بكل ماجاء على الألسنة.. لقد اكتشفت بأن مجتمع مدينة سيلينا فاسدٌ وقائم على الكذب والخداع:

هالة:          والحـُبّ يـا نـــــــــــــــــاس؟               مـا حــدا بـْيـِحـْـكـــي عـَنـُّـو؟

مـا إلـُـو بـَيـْت بـْسيلينــــــــا؟      مـِشْ عايـِشْ عَ شـي بــــاب؟

الجميع:        بـِتـْحـِبـِّـــــــــــي حـــــــــَدا؟          بــِقــَـــلـْبـــــــــِك حـَــــــــدا؟

هالة:          أنـــا مـــــــا حـِـبـَّـيـْـــــــــت          بـَعـْــــدْ مـــــــــا حــِبـَّـيــــت

               لـَكـِنْ أنـــا نــــاطــْــــــــــرَة          والنـَّطـْرَة طـاقـــَة عَ الـْحـُبّ

               مـــا بدِّي إخـْســَر النـَّطـــْرَة      وِلا سـَكـِّـــر طـــاقـِة الحـُـبّ

أنـــا نــــاطــْــــــــــــــــــرَة            نــــاطــْـرَة       نــــاطـْـــرَة

 

وتتجه فنانتنا العظيمة فيروز إلى الجهة الخلفية من خشبة المسرح دلالة على الرغبة في الانعزال لبعض الوقت تغني لحبيبها المجهول واحدة من أجمل الأغاني وأكثرها شاعرية ورقة ودفئاً، وتأتي الأغنية في مقام (عجم/ سيكاه) المناسب للموقف ولحن هاديء حالم تقوده آلة البيانو:

هالة:          شايف البحـِرْ شـُو كـْبـِيــــر؟    كـِـبـْــــــر البـَحـْر بـْـحـِـبـَّـكْ

شايف السـَّـما شـُو بـْعـِيـْــدِة؟    بـِعـْـد السـَّـمـــا بـْـحـِـبـَّـــــكْ

كبـْر البحـِرْ وْ بـِعـْـد السـَّـمـا     بـْـحـِـبـَّـكْ يا حبـِـيـْـبـِــــــــي

يا حبـِـيـْـبـِـــــــــــــــــــــــي     يا حبـِـيـْـبـِــــــــي بـْـحـِـبـَّـكْ

/ نـَطـَـرْتـَـكْ أنا نـَدَهـْتـَك أنـا     رسـَمــْتـَـكْ عـَلى الـْمـَشاوير

يـادَمـْع الزَّهـِر يا همّ العـِمـِر     يـا مـَواسـِم العـَصـافـيـــــــر / (2)

مـا أوْسـَــــــع الغـابــــــــــة   وِســـْــــــــــع الغـابـِة قـَلـْبي

يـامـْـصـَـوَّر عَ بـــابـِـــــــي  وِمـْـصـَـــــــوَّر بـِـقــَـلــْبـــي

شايف البحـِرْ شـُو كـْبـِيـــــر...

/ نـَـطـَـرْتـَــــكْ سـِـنـِـــــــــة   وْيـا طـُـول السـِّــنـِــــــــــــة

واسـْأل شـَـجـَـر الـْجـَـــــــوز

شـُـــوفـَـك بــالصـَّـحــــــــــو جايـِـــــي مـْــن الـصَّــــــحو

ضـــايـِـعْ بـِوَرَق الـْلـَّـــــــوز / (2)

مـا أزْغــَـر الدَّمـْعـَــــــــــــة  أنـــــــــــــا دَمـْعـَة حـَـــــدَّكْ

بـَـدِّي إنـْـدُرْ شـَـمـْـعـَـــــــــة  وِتـْخـَـلـِّـيـْنـــــي حـِبـَّــــــــكْ

شايف البحـِرْ شـُو كـْبـِيـــــر...

 

بانتهاء الأغنية التي رحلت فيها فتاتنا (هالة)، صاحبة القلب الواسع، فوق أمواج البحر ومع أصوات العصافير إلى غابة الحب البريء.. الحب الذي افتقدته في هذا اليوم الغريب وغابت حكاياته من حياة أهالي سيلينا، تعود إلى الناس الواقفين كقطع الصخر الباردة أيام الشتاء معلنة بصوت عال قرارها الصـَّريح:

هالة:          يـا أهـــالي سيليـنـــــــــــــــا عـْمـِلـْتـُونـي أمـيـْــــــــــــرة

والأمـِيـْـــــــــــرَة إلـْهـا حـَقّ تـْـقـَـرِّرْ مـَصـِيـْـــــــــــــــرا

مـِشْ رَح إتـْـجـَـوَّز الـْـمـَـلكْ       رَحْ إحـْمـُـلْ حـالـي وْإرْجـَعْ

أنـــا بــَدِّي إرْجــــــــــــــــعْ

وَحـْــــــدا الـْـقــُـــــــوِّة              بـْـتـِمـْـنـَـعـْني

 

حياتنا مليئة بقصص وحكايات وحوادث كارثية ومآسٍ مرتبطة بحالات فـَرْض الزواج على الفتيات دون رغبتهن أو موافقتهن. في الزواج القسري امتهانٌ فظيع لإنسانية المرأة. والقصة في مسرحيتنا تصل بنا إلى أبعد هذه الاحتمالات لتعني جميع الحالات التي أقل منها إغراءً. في مجتمعاتنا الشرقية الغارقة بالتمسُّك بالمفاهيم السلفية الدينية والعشائرية ليس للمرأة حقُّ اختيار شريك حياتها في أغلب الأحيان.. وحتى في الأوساط التي لا يفرض الأهل رأيَهم على ابنتهم بهذا الخصوص نجد المفاهيم الخاطئة المفبركة ذكورياً تفرض على الفتيات سلوكاً معيناً يرجح معه زواج القـُربى وزواج المصلحة وزواج السّترة والزواج حسب الشريعة حيث لا مكان للحب أو للمشاعر الإنسانية أو للوعي في اختيار الشريك الملائم والسـَّيـْر باتجاه الحياة السليمة الطبيعية. وكم جريمة ارتـُكبت بحقِّ الفتيات أو النساء وسـُجـِّلت في خانة (جـَـرائـم الشـَّـرف) دون بحث في أسبابها الحقيقية..

في مسرحيتنا يصرخ الأخوان رحباني من ساحة سيلينا على لسان ابنة درج اللوز أنْ للمرأة حقها الطبيعي في تقرير مصيرها بعيداً عن حسابات الآخرين ولا مصلحة في الحبّ ولا زواج بدون حب. وتقف هالة بصمودها هذا مع فتيات ونساء شرقنا الذكوريِّ المفاهيم والماديِّ القيم داعية إياهنَّ لرفض العبودية المغلـَّفة بالإغراءات، حتى ولو كانت المكافأة قـَصْراً ورِفـْعة ملكية.

 

تدخل هالة إلى غرفة (سهرية) تجنباً لأحاديث أخرى مع الناس وكي تخلع عن جسدها الفستان الأبيض وتستعيد فستانها البسيط التي جاءت به من درج اللوز.

 

بإعلانها أثارت الفتاة الحرة ارتباك الحاضرين وحـَيْرتـَهم فراحوا يتبادلون نظرات الدهشة والتساؤل عن الحل (مـِشـْكـِلْ   مـِشـْكـِلْ  شو هالمـِشـْكـِلْ ؟؟!!) و (كيف بدنا نـْقابل الملك ؟؟   شو بدنا نـْقول للملك ؟؟) فيما يحاول الشخص الأكثر اهتماماً بالموضوع، العرَّاف المخادع، تهدئة الناس وتطمينهم:

العرَّاف:       مـِنـْـدَبـِّرْهــــا مـِنـْـدَبـِّرْهــــا وِمــْـعـَـوَّدِيـْن نـْـدَبـِّـــرْهــــا

        مـا في شـِي مـا بـْيـِتــْـدَبــــَّرْ     لا تـْـقـُولـُو شي لــلمـَلـِــــــك

 

حلَّ المساء وحان موعد وصول الملك إلى الساحة حيث يحتفل الناس الذين يرحبون به متجاهلين كلياً ما حدث منذ قليل وهاتفين لملكهم (عاش الملك)

الملك:         قـُوموا رْقـُصـُو وافـْرَحـُــــو       الـلـَّيـْلـِة وَرْدِة الــْـلــَّيــــــالي  

الناس:        وَرْدِة عـِرْسـَــــــــــــــــــــك    يــــــــــاوَرْدِة الــْـلــَّيــــــالي

        يــــافــــَرَح الأعــــــــــْراس  يـا زَهـْرِة الزَّمـــان الغــــالي

الملك:         وْوَيـْـن العـَـروس الأمـِيـْــرَة      خـَـلـِّـيـْـهــا تـُخـْطـُر قـْـبــالي  

الجميع:        عـَـمْ تـِـتــْـزَيــَّــــــــــــــــــن     تـَ تـْزور الـْقـَصـْر الــْـعــالي

        يــــافــــَرَح الأعــــــــــْراس  يـا زَهـْرِة الزَّمـــان الغــــالي

 

مازال ملكنا العاشق يحلم واثقاً بالسعادة:

الملك:         مـا أجـْمـَــل الأرض

لـَمـَّا الإيـْدَيـْــــــن الـْمَجـْهـــولـِة    

        بـِـتـــْنــَـزِّلا قـِــفـِّـــة               مـِلـْيـانـِة سـَعــــــادِة

       مـا أجـْمـَــل الـْعـِمـر            لـَمـَّـا مـْرَشـِّــة الـحـَنـِـيــْــــن       

        بـْـتـِسْـقـي حـَـبـَق الـْغـَـــــــــرام             تـَ يـْــزَهــِّرْ بـِزْيـادِة

الفتيات:       والإيـَّام السـَّعـِيـْـــدِة            

بالـْحبّ تـْضـَــــــلا سـَعـِيــْــــدِة

الجميع:        لـَيـْلِـة عـِرْسـَـــــــــــــــــــك    يــــــــــاوَرْدِة الــْـلــَّيــــــالـي

        يـــا فـَـــرَح الأعــــــــــْراس  يـا زَهـْرِة الزَّمـــان الغــــالي

الفتيات:       والعـَـروس الأميـرة    

عَمْ تـِتـْزَيـَّن الأميرة

الجميع:        عـَـمْ تـِـتــْـزَيــَّــــــــــــــــــن     تـَ تـْزور الـْقـَصـْر الــْـعــالي

يــــافــــَرَح الأعــــــــــْراس   يـا زَهـْرِة الزَّمـــان الغــــالي

 

على الرغم من انتشار الكذب واعتماده وسيلة للوصول إلى الأهداف عند الكثيرين إلا أن الأخلاقيات على مر العصور أعابت الكاذبين وطالبت بمعاقبتهم، كما توعـَّدتهم بكشف الحقائق لأن (حبل الكذب قصير).

في مسرحيتنا أيضاً كان حبل الكذب قصيراً.. الشحـَّاد المتنكر بهيئة الحائط لا يكترث لخطط نخبة المنتفعين في القصر، وبما أنه على علم بما يقوم به هؤلاء تجاه الملك فقد قرر فضحهم:

الشحـَّاد:       يـا ملـِك الزَّمــــــــــــــــــان قـِلـِّـي عـْـلـَيـْك الأمــــــــــان

الملك:         عـْـلـَيـْــــك الأمــــــــــــــان  

الشحـَّاد:       يـا مـَـوْلانــــــــــــا الـْمـَلـِك   كـِلـُّـــنْ عـَمْ يـِكـِذبـُو عـْـلـَيـْك    

 

فاجأ الشحـَّاد الجميع بهذا التدخـُّل بشؤون لا تخصه والتطاول على هيبة الحاشية فأمروه بالصمت (اسـْـكـُتْ اسـْـكـُتْ.. كـِـيـْـف ؟؟!!       كـِـيـْـف بـْتـِحـْكـِي هـَيـْـك ؟؟!!) ويطلب له العراف عقوبة (بـَـدُّو شـَنـْق !)  يصرخ الجميع موافقين (اشـْـنـُـقــُـوه) ولكن الملك يتدخل (أنـا عـْطـَيـْتـُو الأمـان،  إحـْـكـِـي يـا شـحـَّـاد) 

الشحاد:       يـا ملـِـــك الزَّمــــــــــــــــــان هـالصـَّبـِيـِّـة الـغـَرِيــْـــــــبـِة

        مـا بـِـــــــــدَّا تـِتـْجـَــــــــوَّزَك وْصـَرَّحـِتْ قـِــــــــدَّام الـْكـِلّ

        وْكـِـلــُّــــــن ْ     كـِـلــُّـــــــــنْ       عـَمْ يـِكـِذبـُــــو عـْـلـَيــْـــــــك

 

هي ذروة العقدة إذن.

يتفاجأ الملك المخدوع بحاشيته ومن حولهم وقد كان للحظات واثقاً بالسعادة العارمة التي أتتـْه من (الإيدَيـْن المجهولـِة) ومن حَبِّ الأميرة التي ادَّعى العرَّاف بأنه رأى بعينيها (السـَّعادِة الـْمـَخـْزُونـِة) وأن (نـَهـْر الـْهـَنا غـَمـَرْها)! 

الملك للجميع:  تـْـفـَـضـَّلـُو عَ الـقـَصــــــــر       بـَدِّي إحـْكي أنا وْهالرِّجـَّـال

 

على نغمة توحي بمشاعر الانكسار يغادر الساحة جميع من فيها ماعدا الشحاد والملك فيدور بينهما حوارٌ بالغ الأهمية بالنسبة للملك الذي كانت الأمور عليه خـَفـِيـَّة. والملك الذي رأى نفسه في موقف لا يُحسد عليه قرَّر التحدث مع الشحاد بصراحة والاستماع إليه دون حرج.

الملك:         هالـْغـَريبـِة قـالـِتْ ما بدَّا يـانـِي؟

الشحاد:       قـالـِـتْ مـا بـِـــــــــدَّا يـــــــــاك

 

من البديهي أن يستغرب الملك أمراً كهذا، فهو يظن أن الناس على الإطلاق يحلمون بالاقتراب منه. كيف لفتاة غريبة، حتى ولو كانت (أميرة بنت أمير)، أن ترفضه.

الملك:         حدا بـْيِرْفـُض إنـُّو يـْصير مَلـِك؟

الشحاد:              نـَعـَم

الملك:         مـِيـْن؟

الشحاد:              أنــا!

الملك:         إنـْت؟

الشحاد:              أنـا شحـَّـاد المديـنة بـِرْفـُض كـُون مَلـِك

الملك:         كيف؟

الشحاد:              أنـا هـَلـَّق شحـَّـاد

لـَكـِنْ بـِحـْلـَم.. بـِحـْلـَمْ صير غـَني.. بـِحـْلـَمْ صير مـُدير..

صيــر وَزِيــْـر.. صيــر مـُسـْـتــَشـــار

وْلـَـمـَّـا الـْحـِلـْم بـْيـِتـْوَهـَّجْ بـِحـْلـَمْ صـِـيـــر مـَلـــِكْ..

               بَسّ المـَلـِكْ   

ما إلـُو مِسـْـتـَـقــْـبـَـــــــلْ    واقـِف عَ البــاب الأخـِيــرْ     

عَ البـاب الـِمـْسـَكـَّــــــــرْ          ما بـْيـِقـْـدُرْ يـِحـْـلـَمْ أكتـــرْ

لأنـُّو مـَلـِكْ

                                          شـُو بَعـِدْ بـْيـِقــْدُر يـْصيـرْ؟

               المـَلـِك ما عــاد يـِطـْـلــَعْ        مـا عــاد يـِقـْـدُر يـِتـْحـَرَّك

               إذا تـْحـَرَّكْ       بـْيـِنـْزَلْ !

 

في فلسفة الشحاد قـَدْرٌ من الذكاء الفطري الممزوج بالحرية الذاتية والجرأة القائمة على أساس الأمان الذي منحه المُلـْك إيـَّاه. وفي كلامه منطق يؤمن به غالبية الناس، وفيه فلسفة التناقض بين المنصب والحرية في بُعدها الجوهري لا الشكلي. أحلام الشحاد الذي لا يأكل ما لم يتصدَّقُ عليه الآخرون أغلى عنده من المكانة الرفيعة لمنصب الملك. حريـَّتـُه كذلك.. فهو لا يبادلها بالمنصب ولا يعترف للملك بحريته لأن الأخير أسيرُ تاجه والتقاليد أما هو فلا يخاف من شيء ولا يحسب لآخرين حساباً.. وفوق ذلك فإنه يدرك معنى الأشياء والمفاهيم.

الشحاد:       شـُو في أكـْبر مـْن المَلـِك؟

الملك:         مـا شي

الشحاد:       إنـْتَ قـِلـِتْ !! الـْ ماشي أكـْبر مـْن المَلـِك

الملك:         آخ يا شحـَّاد ما أكبر الـْ مـا شي !!

        وْهالغـَريبـِة يا شحـَّاد..        قـَوْلـَك لـَيـْش ما بدَّا المـَلـِك؟

 

هاهو يـُقنع الملك بمفهوم اللانهاية التي تعادل اللاشيء. وبراءة الإبداع اللفظي للأخوين رحباني.

الشحـَّاد يرى في الفتاة الغريبة شخصاً يشبهه بينما مايزال الملك يضعف أمام فضاء حريته.

 

الشحاد:       هالغـَريبـِة عايـْشـِة عمْ تـِحـْـلـَم   ما بدَّا تـْبـَطـِّــــلْ تـِحـْـلـَـــــم

الملك:         بـِتـْعيـرني تــيابــــــَك؟

الشحاد:       تــيابــــي أنـــــــــــــا؟

الملك:         عيـرني تــيابــــــَك       بــَلـْـكي بـِقـــْـدُر إحـْـكـي أنـا وايـَّاها

 

إذ يكتشف الملك أهمية وسلامة فلسفة الشحاد تتغير في ذهنه الصورة عن بسطاء الناس وعن دور الحرية في تكوين الشخصية.. وتخطر بباله فكرة اقتباس شخصية الشحاد في موقف واحد هو مواجهة الصبية الغريبة التي رفضت أن تصبح ملكة.

يخلع داجور تاجَه والمشلحَ الملكي ويقدمهما إلى الشحاد الذي يخلع بدوره معطفـَه الرثَّ وطاقيتـَه المتواضعة فيلبسهما الملك ويقف قرب الحائط ماداً يده للمتبرعين.. ويتخذ الشحاد لنفسه مكاناً محايداً لا يراه فيه أحدٌ دون أن يتجرأ بوضع التاج على رأسه أو المشلح على كتفيه.

 

أول من يصادف الملك الفتاة هالة التي خرجت بزيـِّها الأصلي وصرَّتـُها في يدها فيبادرها الشحاد الجديد بالسؤال:

داجور:        حـَسـَنـِة لـَ هالشـِّحـَّاد.. ألله يـْرِدّ عـَنـِّـكْ

هالة:          شـِّحـَّاد ؟

داجور:        نـَعـَم يا سـِتـِّي شـِحـَّاد

هالة:          وَيـْن النـَّاس الـْ كـانو هـَون ؟

داجور:        راحـُو

هالة:          وْإنـت ؟ من وَيـْن خـْلـِقـْت ؟

داجور:        الشـِّحـَّـاد بـْيـِجـي ما بـْيــِعـْـلـِن وُصـُولـُو.. بـْيـُوصـَـل مِتـْـل الخـَبـَر..

        الشـِّحـَّاد مـا بـْيـِنـْوِجـِد إلا لـَمـَّا بـِيـْمـِدّ إيـْدُو تـَ ياخـُدْ من جـَيـْبـِة حـَدا..

هالة:          وْجـايـِي تـِشـْحـَد بـِهاللـَّيـْـل ؟

 

شخصية أخرى بدأت تستيقظ تحت معطف الشحاد. الملك الآن حرٌ في حديثه وهو يمارس حريته دون حرج أو قيد. وكأنـَّه في داخله، بعكس شحاد المدينة، يَحسُده على حريته.. وهاهو يحادث الصبية الغريبة عن سيلينا بحرية عجز عنها وهو تحت التاج الملكي، لا بل يدافع صراحة عن تفوق الشحاد على الملك في التمتع بهذه الحرية:

داجور:        وْشو بـْفـِكـْرِك الشـِّحـَّـاد في عنـْدو مكتـَب، بيـِفـْتـَح بالنـّهـار وْبيـْسـَكـِّرْ باللـَّيل؟

        أنـا شحـَّاد والرِّزْقـَة متـْل الطـَّيْر بـْتـِمـْرُق على غـَفـْلـِة.

        واللـَّيـْل بـِـيـْغـَرْبـِل النـَّاس.. وأنـا بـْنـَقـِّي زْبـوناتي.

 

كما هي الحال في الشخصيات الأخرى، تصف اللغة الرحبانية شخصية المتسول بعبارات بالغة الدقة والروعة لأنها تدخل في عمق الشخصية ودهاليز حيثياتها وعلاقتها مع المحيط. مثالٌ آخر في شخصية الشحـَّاد يقدمه الأخوان عاصي ومنصور في مسرحية المحطة.. وفلسفة تسوُّل ذات اعتبار تأتي على لسان الشحـَّاد يعجز عن عرض مثلها المثقفون.

داجور:        الـْبـُخـَلا ما بـْيـِسـْهَرو والشـَّغـِّيـْـلـِة بينامـُـو بـَكـِّيـْر

        وْأنـا هربـان مـْن الفـقــْر..      أنـا مِـشْ فـقـير.. أنـــا شحـَّـاد

        واللـَّيـْل بـِيـْخـَلـِّي النـَّاس كـِلــُّنْ شحـَّاديــن:

        الـْلـِّي عمْ يـِشـْحـَد الـْمـَحـَبـِّة.. الـْلـِّي عمْ يـِشـْحـَد الـْـفـَـرَح..

        الـْلـِّي عمْ يـِشـْحـَد الـْـنـِسـْيـان

        والشـّحـادِة مَخـلـُوطـة بالكـَرَم والـْخـَيـْر

 

أمـا هالة فهي فقيرة وليست مُتسوِّلة، والحياة عندها عملٌ وعرقُ جبين أما التسوُّل فهو للعَجـَزة وضعفاء الأجساد:

هالة بتلميح:   وْلـَيـْش ما بـْتـِشـْتـْغـِلْ ؟ صـَحـّتـَـكْ مـْلـِيـْحـَة اسمالله !!

داجور:        صـَحـّتـِي مـْلـِيـْحـَة لأنـِّي ما بــِشـْتـِـغـِلْ

        وْبـَـعـْـدَيـْن ياللي بـْيـِشـْتـِغـِلْ بـْياخـُد من درب حـَدا

        أنـا ما بـَدِّي آخـُــد مـِن رِزِق حــــَدا  

        أنـا بـاخـُد ياللـِّي بيـفيـْـض عـَن حـَدا

هالة:          وْلـَيـْش نـَقـَّيـْت هالسـَّاحة وْجـايي تـِشـْحـَد فيها ؟

داجور:        الشـِّحـَّادين بيـْحـِبـُّو المـَطـارِح الواسـْعـَة، تـَ يرْفـَعـُو فيهـا تـَمـاثيــل

هالة:          إنت غـَريـْب ؟

داجور:        الشـِّحـَّاد دايـْمـاً غـَريب

        بـْتـَعـِرْفي ضـَيـْعـِة شـحـَّـاد؟

هالة:          لأ    

داجور:        بـْتـَعـِرْفي بـَيـْت شـحـَّـاد؟

هالة:          لأ    

داجور:        الـْشـحـَّـاد متل المـَلِك.. كلِّ الـِبـْيـُوت بـْيـُوتـُو

هالة:          الـْشـحـَّـاد متل المـَلِك ؟

داجور:        وْحُرّ أكـْتـَر مـْن الملك

هالة:          كيف؟

داجور:        أنـا بـْنـام عَ الطـَّريـْــق.. بـْيـِسـْتـَرْجي المـَلِك يـْنام عَ الطـَّريـْـق ؟

هالة:          لأ    

داجور:        المـَلِك قاعـِدْ بالنـِّظـام.. أنـا خارِج النـِّظـام.. أنـا قاعـِد بالشـّحادِة

        لـَمـَّا بـَدِّي إشـْحـَد بـِقـْـعـُد بالشـَّفـَقـَة

        وْلـَمـَّا بـَـدِّي نـام بـْنـام بالـْوَحـْش..

هالة:          أنـا وْإنت التـَقـَيـْنــــا..          غـَريـْب وْغـَريـــبـِـــة     

داجور:        إنـْـتِ شـِـحـَّـادِة كـَمـان؟

هالة:          لأ.. أنــــا فــَقــِيــــــْرَة            افـْتـَكـَرونـِي أمـيـْـــرَة

        وْصـــار بـَدُّن يـْـجـَوّزُونـي الملك

داجور:        وْلـَيـْــش ما بـــْـتـاخـْـديــــــــــــه؟

هالة:          مـا بَـدِّي إكـْذب عـْلـَيـْـه

داجور:        تـْجـَـوَّزِيه واسـْتـغـِلـِّيــه

هالة:          العـَرَّاف قـَلـِّـي هـَيـْــــك   والأشْـراف قالو هـَيـْك

        والمستشار قـَلــِّي هـَيــْك              وْكـِـلــــُّـــن  كــِلــــــُّن

        وْناس الشـَّعـْب خـَبـَّروني إنـُّو المـَلـِك ما بـْيـَعـْرِف شو في بالـِبيوت الفقيرة

        ابـْوابـا واطـْيـِة.. والملك عَ راسـُو تـاج

        ما بـْـيـِقـْدِرْ يـْوَطـِّي راسـُو أحسن ما يوقـَع التـَّاج

        وْمـا حـَدا بـِيـْـخـَبـّرو..         كـِـلـُّـن بـْيـِكـِذبـُو عْلـَيه

داجور:        شـْـفـِـقـْت بـْقـَلـْبي عَ المـَلـِك

هالة:                                     يا رَيـْت فــِيـِّي فـَهـّمـُو  

داجور:        لا بـُـدّ مــــــــا يـِفــْــهـَمْ

هالة:                                     مـْنـَيـْن بـَــدُّو يـَعـْرِف؟  

داجور:        بـْــيــعـْــــــــــــــــــرِف

 

بدأ الشك يدخل إلى صدر هالة التي أدهشها هذا الشحـاد اللطيف القوي والمتفلسف فسألته والقلق بادٍ على وجهها (إنــْت بــَـدَّك تـْـقــــِـلــُّو؟) فنفى (لأ..).

 

انتهى الأمر بالنسبة للملك.. توضـَّحت له جميع الصـُّور. لقد فتحت هذه الصبية الغريبة الطيبة الصادقة ملفاتٍ خطيرة في سيلينا وبالغة الأهمية بالنسبة للملك داجور. بقي أن يحادثها للمرة الأخيرة بصفته الملكية. لذلك نزع عن جسده المعطف المهتريء وعن رأسه طاقية الشحاد وظهرت هيبته الملكية لهالة التي فاجأها الموقف:

الملك:         أنــــا المـــَـلـِــــــــــــــك

هالة:          إنتَ الملك؟.. كيف تـْحاكـَيـْنا بـْبـَساطـَة!     

الملك:         المـَـلــك مـا بـِيـْخــــَوِّف         الحـَقيــْقـَــة بـِتـْخـــــَوِّف

        وْبـِسـألْ كـِـــــيف صــار

        بـِنـْت بسيطـَة مـا معهـا إلا الصـِّدْق

        غـَلـَبـِتْ مَديـْـــنـِة عايـْمـِة عَ الكِذبْ

شـُـو قـَوْلـِكْ يـَعـْمِـل الملك بـِهالنـَّاس اللـِّي حـْوالـَيـْـــــــــه؟
بـِـيـْـحـاكـِمـُـــــــــــــــن؟

هالة:          لأ

الملك:                                    بـْيــِـحـبــِسـُــــــــــــــن؟

هالة:          لأ    

الملك:         وْشـُو بـَدُّو يـَعـْمـِلْ فِيـُنْ؟

هالة:          ما شــــــي

        إذا حـاكـَمـُــن.. وْإذا حـبَسـُــن بـْيـِخـْلـَصـُو      

وْســاعـِتا   عـَلى ميــن بـَدُّو يـَعـْمـِلْ ملـِـك؟

 

يتذكـَّر الملك الآن حديثه مع شحاد المدينة قبل دقائق ويقول في نفسه (لقد كان الشحـَّاد على حق). (الـْ ماشي أكبر من الملك) !!.. ربما كانت الحياة العادية التي جربها لتوِّه بأصغر شخصية في المجتمع – الشحاد، أمتع وأهنأ بكثير وأقرب إلى السعادة الحقيقية من الجلالة الملكية إياها:

الملك:         لـَو هالملك تـْعـَلـَّم شي مهـْنـِة كان بـْيـِقـْدُر يـِتـْرُك وْيـِسـْتـَغـْني.

        لا نـِجـَّار تـْعـَلـَّـم.. وْلا حِـدَّاد تـْعـَلـَّــمْ

        الـْمـِلـِك والشـّحــادِة مـِتـِلْ بـَعـْضـُــــن     مـانـُّــنْ شـِغــــــــل!

        لازِمْ المـَلـِك يـْضـَـلّ عـامـِـــلْ مــَـلـِكْ

هالة:          رَحْ يـِطـْـلـَع الضـَّـو            والنـّجـُوم تـِتـْسـَـكـَّر     

وِيـْفـَتـِّـــح الزَّهــــرْ               والشـَّمـِس تـِلـْمـَــــع

 

وقبل أن تهمَّ هالة بمغـادرة الساحة باتجاه درج اللوز والعودة إلى المكان الذي تحب والحياة البسيطة التي بها راضية يدخل الشحاد الذي كان يسترق السـَّمع متوجهاً إلى الملك وما زال المشلح مرمياً على زنده والتاج بيده ويظهر وقد أتعبه هذا الحمل الذي لا يعني له شيئاً:

الشحاد كالعادة: يامـَلِــــك الزَّمـــــــــــان           قـِلـَّي عـْـلـَيـْـك الأمـــان  

الملك غاضباً: وْلـَـــكْ أنا بـَـدِّي الأمـان               مـِـن شي مـَلــِك زَمــان

        قـِـلـِّي شـُو بـَدَّكْ تـْـقـُـول

الشحاد:       عـَمْ يـِلـْــفـَحـْنــي البــَرْد          وْإنـْت لابسـْلي تــْيـابـي

        وْإيـْدي تـِعـْبــِتْ وْأنـــــا          حــامـِلــَّـكْ تـْـيـابـَـــــكْ  

 

يتبادل الملك والشحاد الملابس ويغادر الإثنان الساحة كلٌّ باتجاه وقد أطرق الملك يفكر في ما سيفعله في مملكته ومع حاشيته على ضوء ماحدث. أما هالة فقد حملت صرَّتها وغنت وهي تتوجه إلى درج اللوز:

 

هالة:          / رايـْحيـْن من ساحِة سيليـنــا         رايـْحيـْــــن والعـِيْــد بـْسيليـنا / (2)

/ بـُكـْـرا بـِقــْعـُدْ عَ بابــــــــي             بـِحـْكـِي القـِصـَّـة لـَصـْـحابـي / (2)

وْبـِيـْقـــــُولولـِي كـِــذابـِـــــــة         ما رِحـْتــــي عَ سـِيـْلـِيـْنــــــــا

رايـْحيـْن من ساحِة..

        / نـــامي يازْغـِيـْرِة نـــامـــي             تـَ نــَّـقــِّـيـْـلـِـك أســــــــــامـي / (2)

شـِـفـْت مـْبـارِح بـِمـْنـامـــــي              مـْدِيـْنـــــة إسـْما سـِيـْلـِيـْنــــــا

        رايـْحيـْن من ساحِة..

 

/ خـَطـْرِتْ عَ بالـــــي فـِكــْرة            إبـْعـَت بـَيـِّي عَ بـُــكـْــــــــــرا / (2)

يـِقــْعـُدْ يـِسـْكـِرْلـــُو ســَــكـْرة        هـُوِّي وْمـَلـِـك سـِيـْـلـِيـْـنــــــــا

/ رايـْحيـْن من ساحِة سيليـنــا          رايـْحيـْــــن والعـِيْــد بـْسيليـنـا / (2)

***

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.