3

:: ‏ليتهم فعلاً علموا الأطفال القراءة والكتابة ::

   
 

التاريخ : 16/04/2016

الكاتب : فاطمة المزروعي   عدد القراءات : 1457

 


 

 

كثيرة هي المثل والقيم التي نعيشها في الحياة، ونحن نطبّقها بنسب متفاوتة، وبعضنا يطبّقها بشكل متكامل، لكن مع الأسف لسنا جميعنا شغوفين بالمبادئ والقيم، ولسنا جميعنا نملك حساسية تنبّهنا عندما نتجاوز أي قانون، أو عندما نرتكب أي خطأ تجاه الآخرين. 

لكن ليست هذه المشكلة حقاً؛ لأن المجتمعات الأكثر تطوراً والتي لديها هاجس من النظام وسيادة القوانين، تملك من الوسائل والعلاجات لتذكير كل من يغفل وتعيده لجادة الصواب ليحترم الآخرين. المشكلة أن يأتي أحدهم ويتحدث عن القيم والمبادئ، هذه القيم التي يدّعي أنها مميزة وقويمة وربانية، لا تنمّ ولا تدلّ إلا على الجهل والتّخلف، بل على عقول عاشت في عصور سحيقة كان خلالها الإنسان يقتات فيها الفراغ المعرفي ولا يجيد سوى القسوة والقوة للتعبير عن حضوره ووجوده. بعد هذا كله أن تجد من يدافع وينافح عن هذه القيم الهابطة، التي تفتقر للحياة، بل ترفض الحياة برمتها، وتجدّف ضد الإنسانية وكل مبدأ شريف ونقي. 

أستحضر مثالاً قرأته قبل فترة من الزمن، حيث يقال إن أحد زعماء المقاومة الأفغانية إبان الاحتلال السوفييتي لبلادهم، حضر مؤتمراً دولياً، وتحدث بألم عن الاحتلال السوفييتي وقال: "إنهم دنّسوا شرفنا، إنهم يعلمون فتياتنا القراءة والكتابة". 

والآن وبعد مضي أكثر من ثلاثين عاماً أقول: ليت تلك القوات الغازية فعلاً قامت بتعليم الفتيان والفتيات الأفغانيات القراءة والكتابة، لأنهم لو فعلوا هذا بحق، لما كانت أفغانستان على ما هي عليه اليوم، لكان من يسمّون أنفسهم مجاهدين من أجل الإسلام أكثر وعياً وفهماً وعلماً بالإسلام الحقيقي، وما رهنوا عقولهم لمن يقودونهم نحو الموت بحجّة الجهاد، لكانوا أكثر قدرة على تمييز ما الذي تعنيه العمليات الإرهابية وسفك الدماء البريئة؛ لأن الفتيان والفتيات الأفغانيات في ذلك الزمن لو حصلوا على التعليم، أطفالهم وهم قد تعلموا من أمهاتهن معنى الخطأ والصواب، ولتمكنت الأمهات من تلقين أطفالهن معنى الحياة والسلام والتسامح، وليس الزجّ بأطفالهن نحو بارونات الحروب ومرتزقة القتل، بثمن بخس من الدولارات، تحت شعارات واهية لا قيمة لها. ليت تلك القوات كانت فعلاً تحمل القلم والورق والعلم، لكننا نعلم جميعاً أن قوات الاحتلال دوماً لم تكن تحمل هذه الأدوات، بقدر حملها للموت والجوع والتدمير...

هذا الزعيم، الذي طرح شعارات رنّانة عن الدفاع عن شرف بلاده من الاحتلال، فشل بعد جلاء قوات الاحتلال وتحرير بلاده، من بناء دولة حديثة تقوم على المساواة والعدالة، بل ملأها جوراً وظلماً وتهجيراً وحروباً لمّا تنته حتى هذا اليوم، لأن قيم الحياة لديه مشوهة تماماً، لم يجد ما يظهر فيه قسوة عدو احتل بلاده إلا أن يتّهم هذا العدو – كذباً – بأنه يعلم الشعب القراءة والكتابة...

هل يوجد تشويه لقيم العلم ومبادئ الإنسانية أكبر من هذا؟. وكما قال أفلاطون: "غاية العلم الخير". فكيف تجلب قوة احتلال العلم معها؟ وكيف يفهم هذا البعد والمعنى العميق لوظيفة العلم والمعرفة مثل هذا الزعيم؟ 

هذه المفارقة الغريبة والعجيبة، أستحضرها، لنفكر في واقعنا الراهن، وتحديداً في عالمنا العربي، حيث تكثر فيه الحروب والطائفية، والتشابك اللفظي في كل محفل، وعلى كل وسيلة من مواقع التواصل الاجتماعي إلى الفضائيات، وهي في نهاية المطاف دلالة على تواضع المعرفة لدى هؤلاء، وشحّ العلم لدى شريحة واسعة من شعوب عالمنا العربي، إن الفقر في العلم انعدام للمعارف والمهارات الحياتية، وكما قال عالم علم الاجتماعي الشهير أوغست كونت: "المعرفة هي القدرة" وهي بحق القدرة على الفهم والتسامح والمحبة، والقدرة على تقبل الآخرين، القدرة على رفض الحروب وسفك الدماء، وهي قيم ومبادئ لن تفهم في عالمنا المعاصر، لأن الكلمة للجهل وليست للعلم..

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.