3

:: في البحرين أزمة من الطبل والزمر! ::

   
 

التاريخ : 05/11/2016

الكاتب : د. أحمد الخميسي   عدد القراءات : 1732

 


 

 

في 25 أكتوبر الحالي افتتح مجلس النواب البحريني جلسته بهجوم شنه بعض النواب على تعليم الموسيقا في المدارس وإقامة الحفلات الغنائية. وطالب النائب محسن البكري بالغاء مقرر الموسيقا من التعليم، أما النائب أنس بوهندي فأعلن أن مقررات الموسيقى دمار للطلاب، منوِّها إلى أنها من الأمور التي تغضب الله عزّ وجلّ.

لكن الحكومة البحرينية لم تقم وزنا لذلك الهجوم وجاء في ردها أن تعليم الموسيقا "يسهم في بناء شخصية الطالب الحسّية والنفسية والعقلية في المدارس". وتعود بنا دعوة نواب البحرين إلى جذور التيار الظلامي وقصة العلاقات الدبلوماسية التي انقطعت مرة واحدة بين مصر والسعودية بسبب الموسيقا!

يحكي يحيى حقي القصة في كتابه "كناسة الدكان" فيقول إنه كان يعمل في السلك الدبلوماسي في القنصلية المصرية بجدة عام 1929، وإنه لمس هناك "كراهية المذهب الوهابي للموسيقا" حتى أن أصدقاءه من المواطنين السعوديين المثقفين كانوا يقومون بتهريب اسطوانات عبد الوهاب إلى المملكة سرّا في طرود تحتوي على ملابس! وفي ذلك الوقت لم يكن هناك سوى القنصلية لأن العلاقات قطعت بين البلدين قبل أربع سنوات، ولم يكن قطعها لسبب سياسي بل بسبب الفرقة العسكرية الموسيقية المصرية التي كانت تخرج من مصر مع المحمل لتزفه في الطريق إلى مكة والمدينة المنورة ذهابا وإيابا، وأن الوهابيين اشتبكوا مع أعضاء الفرقة حين وصلت الى السعودية تلعلع وتنفخ الأبواق وتدق الطبول وكاد الأمر يتحول إلى صدام مسلّح لولا أن الملك أرسل ابنه سعود للفصل بين الجمعين. فكانت هذه الحادثة سبب قطع العلاقات بين البلدين. ويعلق يحيى حقي قائلاً: "وكل هذا كما رأيت من جراير الطبل والزمر"! ويشير إلى أن السعوديين كانوا يتحايلون على منع الموسيقا بطرق غريبة، فقد حضر هو ذات مرة حفل عشاء عند أحدهم أنشدوا فيه الموشحات الدينية، ومنها قصيدة "أنا على دينك"، واكتشف يحيى حقي لدهشته البالغة أن موشح "أنا على دينك" نسخة طبق الأصل لحنا ونصا تقريبا من أغنية لأم كلثوم كانت شائعة في مصر هي "أنا على كيفك"! فقط غيروا الكلمات ليستمتعوا بالموسيقا! ويقول حقي: "كم كانت بارعة وساذجة معا حيلتهم في كسر القيود"!

الرد الأقوى على الفكر الظلامي فيما يتعلق بحظر الموسيقا جاء من الكويت بافتتاح "دار الأوبرا الوطنية" في 31 أكتوبر على مساحة 214 ألف متر مربع وتضمّ ثلاثة مسارح وقاعات للسينما ومكتبات ومركزا للموسيقا! لكن هذا لا يمنع أن ذلك الحضور النشط للفكر الظلامي قد أثار استياء كبار الكتاب في البحرين ومنهم د. حسن مدن الذي كتب بعنوان "الدواعش في المدارس" يقول: "مجرد أن ينال هذا الطلب أغلبية أصوات الحاضرين في الجلسة أمر لا يليق بالبحرين ولا بمكانتها الثقافية"، وأضاف أن: "مواجهة أفكار التطرف والتكفير هي حرب لا بد منها بتطوير المناهج التعليمية". وهو محق في ذلك خاصة أن للفكر الظلامي في عدائه للفنون تاريخ أسود ليس في العالم العربي كله.

عندما ظهرت جريدة الوقائع المصرية قاوم الظلاميون طباعتها بحجة أنه قد يرِدُ فيها اسم الجلالة ثم يلقى بها إلى الأرض"! وشنوا حملة شعواء على فن النحت والصور لولا فتوى الإمام محمد عبده الذي قال إن التماثيل والصور بحد ذاتها ليست حراما، الحرام عبادتها.

وعندما افتتح زكي طليمات معهد التمثيل في مصر في نوفمبر 1930 شنوا عليه هجوما شرسا بزعامة الشيخ محمود أبو العينين. أما موقفهم من الموسيقا فمعروف وقائم على تفسيرهم الديني الشخصي الذي لا يستند لتحريم أو نص قاطع.

وعلى العكس من الرؤى الظلامية يشير جلال الدين السيوطي أحد كبار علماء المسلمين في كتابه "الاتقان في علوم القرآن" إلى أهمية الموسيقا قائلا: "كثر في القرآن ختْمُ الفواصل بحروف المدّ واللين وإلحاق النون وحكمتُه وجود التمكّن من التطريب بذلك كما قال سيبويه".

وأيا كان حضور التيار الظلامي في الثقافة ونعيقه فإن أحدا لن يمنع الطير من الزقزقة، ولن يمنع البشر من الغناء ولن يحجب عنهم الموسيقا التي تجلو الروح والذهن وتهذّب المشاعر. وإذا كانت أزمة البحرين من جراء "الطبل والزمر" فلا الطبل سيتوقف عن القرع ولا الزمر سيكف عن الرنين، أما" دواعش المدارس والفن" على حد قول د. حسن مدن فلا مستقبل لهم.

د. أحمد الخميسي. كاتب مصري

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.