3

:: الموت للغة العربية ::

   
 

التاريخ : 24/01/2011

الكاتب : خيري حمدان   عدد القراءات : 1574

 


 

 

الطريق نحو الماضي

لماذا الحاسوب ما دام كمبيوتر؟ لماذا مكاتبية وهي بيروقراطية؟ لماذا رتابة وهي روتين؟ سلسلة متتالية من الأسئلة تراشقها "صاحبي" غاضبًا وطالب في اللحظة التالية عولمة اللغة العربية وتخليصها من هذا العبء الكبير من المفردات، واللجوء للعامية في المحادثة والكتابة والمراسلات، أضاف أيضًا بأن العربية باتت عبئًا على العرب وجزءًا من رحلة تخلفهم .. أتبع ذلك كما هي العادة برشقات من المسبات "من تحت السرّة" بكلّ ما يمتّ للعرب والعربية، وأوصى أخيرًا بالتخلص من الأمة العربية واللغة العربية لأنهما رمز التخلّف! كلّ هذا سمعته باللغة العربية بالطبع، عندها تحدثت دون مقدمات عن جمالية اللغة العربية - "أخبرته عن الصعوبة الجمّة التي واجهتها حين حاولت ترجمة مقطع من قصيدة لراسم المدهون "ثعلب المرايا"، أخبرته عن الشاعر البلغاري الذي وقف عاجزًا لما يزيد عن شهر أمام مقطع آخر لمحمود درويش "أكلما تنهدت سفرجلة   نسيت حدود قلبي"!

أخبرته عن المجهود الخارق الذي بذله كمال أبو ديب لترجمة كتاب الاستشراق للكاتب والمفكر الكبير ادوارد سعيد. في النهاية أخبرته بأن المتطرف "أشار إلا أن آراءه متطرفة للضرورة" لا يريد شيئًا في أثناء مسيرة الحياة، المتطرف حتى يسعى إلى نشر الدمار في كلّ مكان، يسعى لقتلك بهدف إنقاذك من شرور ذاتك! تجدر الإشارة إلى أن هناك الكثيرين الذين يدعمون هذا الفكر السلبي متذرّعين بالتقدّم والحداثة، كأن الحداثة لا تعني سوى التشدّق باللغات الأجنبية. أدرك جيدًا وانطلاقًا من مهنتي في الصحافة والترجمة بأن إتقان لغة أجنبية لا يتأتى دون إتقان اللغة الأم وهذا سبب أساسي للنجاح وتحقيق العديد من الأهداف.

تعيدني الذاكرة إلى مقال قرأته لشاعر روسي حداثيّ كبير قال بأن الشعر العربي سيء، سطحي وخالٍ من الجمالية! هو محقّ بالطبع في رأيه لأن ما ترجم من الشعر العربي للغة الروسية رديء بحكم رداءة المترجم. ولو تمكن هذا الشاعر من الاطّلاع على جمالية الشعر العربي كما يجب لكان رأيه مغايرًا، لكن علينا تحمّل هذا الانحدار المستمر للحضور الثقافي العربي المشوّه وهناك الكثير من العوامل التي ساعدت على ذلك، منها: انخفاض مستوى التمثيل الدبلوماسي العربي في الخارج. من النادر جدًا أن تنظم البعثات الدبلوماسية فاعلية ثقافية، أو العمل على طبع كتاب، حتى وإن حاولت ذلك تسارع هذه البعثات إلى طلب المعونة من رجال الأعمال في الدول الأجنبية. المقصود بذلك هو عدم وجود وعي وتقليد حضاري لدعم المسار الثقافي في الوقت الذي نجد فيه السفراء الأجانب يتسابقون للمشاركة في المهرجانات الثقافية والحضارية، يخصّصون موازنة ليبقوا حاضرين في واجهة الحدث، يكفي أن يثمر ذلك إلى ذكر بلادهم والتنويه إلى مكتسباتهم الحضارية من كتاب وشعراء وعلماء وناشطين اجتماعيين وما إلى ذلك. كما لا بد من ذكر عجز الدول العربية عن احتواء كتابها ومبدعيها آخذين بعين الاعتبار بأن البعثات الدبلوماسية هي مرآة لنهج وسياسة الدول العربية ولا يمكن أن تكون مغايرة لذلك إلا ما ندر. لهذا فإن الذائقة الشعرية الروسية لما يكتب باللغة العربية مفقودة، كيف لا والمترجم العربي يعاني الأمرّين للحصول على لقمة العيش وممارسة حياة كريمة تليق بمهنته ذات البعد الإنساني الكبير. 

 

تونس يا تُرى مذكر أم مؤنث!

ركز الإعلام الأجنبي مؤخرًا على التوابل والمقبلات التي واكبت ثورة الشعب التونسي أكثر من التركيز على جوهر معاناة الشعب التونسي وهي جزء من معاناة الشعب العربي. يشعر الغربيون بالاستغراب الشديد حين يقرأون بأن امرأة ما ولنسمِّها "ليلى" تمكّنت من اختزال مقدرات شعب بأكمله وصبغته بلون يتمنى الشعب التونسي إلغاءه من قوانين الطبيعة! امرأة ليست "كليوبترا" أو "جان دارك" معاذ الله! وكان بإمكانها أن تكون كذلك. لكن العمى، الجهل، التخلف، الخنوع، الجشع، السطوة، القسوة، الحقد، الأمية وخضوع قائد سياسي لسطوة نهدين، وتفضيله هدر مقدرات شعب بأكمله لإخفاء ضعفه وعقده المتوارثة منذ الأمويين وتسليم مقدرات ومستقبل البلاد إلى جارية، غانية، مصففة شعر، أو حسناء عابرة طريق دون الارتقاء مع شعبه إلى عتبات التقدم والرفاهية! 

برلسكوني الذي دفع الغالي والنفيس للفوز بحظوة الحسناوات وإرضاءً لشهواته الغريزية، لم يجرؤ يومًا التفكير بالتعدي على مقدرات البلاد أو سلب خزينة الدولة وتحميل الذهب إلى الفتيات القابعات في غرف النوم بانتظار فحولته. طبعًا هناك أكثر من رادع منعه من ذلك. وهي - البرلمان والتقاليد الديمقراطية ومعرفته بأن شعبه قادر على صلبه دون مقدمات إذا تجاوز الحدود الممكنة، لكن هذا الشعب في الوقت ذاته قادر على فهم احتياجاته الغريزية وشهواته ما دام رئيس الوزراء لم يتعدّ الخط الأحمر المرسوم مع أنه جانبه لفترة طويلة من الزمن. 

الأحداث الأخيرة في تونس علمتنا بأن هناك ضرورة لبناء مجتمع مدني متقدم، قادر على رسم الحدود أمام القادة السياسيين ورؤساء الدول ليعرفوا دومًا بأن هناك محكمة مدنية، شعبية، برلمانية، قانونية حقوقية قادرة على إسقاطهم عن عروشهم، دون الحاجة إلى ثورات دراماتيكية وإسقاط رموز الدولة والحكم. ما حدث في تونس جيد وسيء. جيد لأنه قدّم إشارات للقادة ورؤساء الدول بأن الحراك الشعبي آخذٌ بالتفاقم والتصعيد، وهناك المزيد من الشعلات الحية المحترقة في العواصم العربية بالرغم من خروج بعض المفتيين في محاولة لتحريم ذلك ووقف البركان المندفع باسم الدين. لكني لا أعتقد بأن الدين قادر على وقف هذا البركان بعد أن فشل في تقديم البدائل عن القمع والفقر والفاقه. أدولة السلطات قادرة على السقوط أيضًا وفي نهاية المطاف لكل شيء ثمن في هذه الحياة. ما حدث في تونس سيء لأنه أكد انعدام المجتمع المدني ومؤسساته الفاعلة، يبدو بأن الطريق نحو التغيير لن يكون سالكًا آمنًا، فهنا طلّ الملوحي تدفع ثمن جرأتها لحمل قلم في بلد عرف بعراقته وقدرته على تصدير الحضارة والحرية إلى العالم بأسره. وهناك ستينيّ يحرق جسده قهرًا وحرقة، وآخر يُضْرب عن ممارسة الحبّ أو تناول الطعام، وآخر يذوي بانتظار فرصة عمل وآخر وآخر .. ما أكثرهم هؤلاء الغاضبون المتحفزون للقفز في فوّهة البركان، كيف لا وليس لديهم ما يفقدونه اليوم وغدًا ولا مجال في الوقت ذاته للعودة .. إلى الماضيّ

 

 

 
   
 

التعليقات : 2

.

25-01-2011 06:5

خيري حمدان

لا أتقن الكتابة بشؤون السياسة بعيدًا عن الوجدان والعاطفة والأدب، النفس الأدبية تلاحقني في كل كتاباتي.

لم يغب عنك هذا سيدتي العزيزة سوزان

شكرًا لحضورك الجميل - مودتي خالصة


.

25-01-2011 03:0

سوزان

جميل هذا الجمع السلس بين التاريخ والأدب والشعر والسياسة في قالب وجداني

موضوع مؤثّر ويشمل توجّهات فكرية قد تعجز عنها مقالات متعدّدة

بحفظ الله


 

   
 

.