3

:: لنحاول تعريف الممانعة ::

   
 

التاريخ : 01/05/2011

الكاتب : مازن كم الماز   عدد القراءات : 2285

 


 

إن الجديد اليوم هو أنه أصبح علينا أخيرا أن نفكر عن أنفسنا، التفكير اليوم في الشأن العام صار حقا لكل إنسان، حتى لمن يرفض الاحتجاجات التي يقوم بها المتظاهرون، حق يمكننا استخدامه ولو بشكل مؤقت على الأقل، لقد سمحنا طويلاً بأن نغلق عقولنا على ما يتم تلقيننا إياه، لم نعتد أن نفكر لأنفسنا حتى اليوم، وحتى في هذه الأيام فكل ما فعلناه حتى اليوم هو أننا ناقشنا بعصبية فيم إذا كان من حقنا أصلاً أن نفكر أم أن هذه هي وظيفة النظام حصرا لأسباب تتعلق بالممانعة والموقف من الخارج، الخ، نحن ما زلنا واقفين عند هذه النقطة، تصوروا أننا لم نبدأ بعد حتى بالتفكير في سوريا كما نريدها، ربما لأننا لم نحصل على حقنا في التفكير بهذا الشكل بعد، لقد حشرنا أنفسنا حتى الساعة في النقاش حول الطائفية والخارج والمؤامرة والأمن، نسينا أن الأسئلة الأهم هي مثلا، هل تؤيد اقتصاد السوق الاجتماعي كما مارسته حكومة العطري – الدردري في السنوات الأخيرة، بل ما هو تعريفك للممانعة نفسها، تلك التي حرمنا بحجتها من معظم حقوقنا طويلاً والتي تستخدم اليوم أيضا لتبرير الحل الأمني ضد المتظاهرين، عن طريق تخوينهم أساساً، يكفي أن نذكر هنا أن الممانعة كانت على الدوام مفهوماً فضفاضاً اتسع لكل مناورات النظام الخارجية وفصل على مقاس سياساته ومصالحه، وأننا حتى اللحظة لا نملك تصوراً حتى عن إستراتيجية حقيقية جدية للممانعة أو لتحرير الجولان مثلا، لقد سمحت هذه الميوعة للنظام بأن يشارك في حرب الخليج الأولى ثم في مؤتمر مدريد ثم في ما سمي بالعملية السلمية بعد ذلك والدخول في فترة من التعاون الإقليمي الوثيق مع الإدارات الأمريكية تمثلت بتفويض سوريا – النظام طبعاً، بالملف اللبناني منفرداً، قبل أن تعني أخيرا وفق الإعلام الرسمي المساواة بين الممانعة وبين دعم قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، مع بقاء السلام كخيار إستراتيجي للنظام في كل الأوقات، كل هذا دون أن يكون هناك أي تصور أو تعريف واضح لهذه الممانعة، ترك إعلام النظام و"منظروه" قضية هذا التعريف مفتوحة على أية مناورات ضرورية قد يلجأ لها النظام بما في ذلك احتمال عقد سلام حقيقي مع إسرائيل كان قريبا بالفعل في عدة مناسبات، وكان يكفي لتبرير الانعطافة المفاجئة في مواقف النظام الخارجية تقديم بعض التبرير الإعلامي الرسمي بشكل كان فيه هذا الإعلام الرسمي يتحدث فيه فقط مع نفسه ليبدو أن القضية قد انتهت، وبشكل يقدم كل مناورة جديدة للنظام على أنها ضرورية، ومبدئية دون أن نعرف ما هي هذه الضرورة وما هي هذه المبدئية أساسا، هذا كان ممكنا حتى الأمس، اليوم حتى من ينتقد المتظاهرين ويصدق ويردد الرواية الرسمية عن المجموعات الإرهابية يريد أن يحصل على شيء من حقوقه في المشاركة الفعلية وفي حرية التعبير والتفكير، أن يكون له رأي، خاص، شخصي ومؤثر فاعل، في شؤون حياته، ما يميزه عن المتظاهرين هو أنه يريد أن يحصل على هذا الحق بطرق أقل ثورية فقط، لأنني أعتقد أنه لا يوجد عاقل يتنازل عن حقوقه هذه بمحض إرادته، أولئك الذين يدعونا اليوم للتخلي عن حقوقنا كسوريين هم فقط من يتحدثون باسم القوى الرافضة للتغيير أو الإصلاح أساسا لأن التغيير يهدد مصالحها.. لكن يجب الاعتراف أيضا بأن الحرية كما قال المحلل النفسي الماركسي إيريك فروم في كتابه الخوف من الحرية تبعث على القلق، فمن اعتاد أن يتصرف كتابع فقط، غير مسؤول عن نفسه، ولا يستخدم عقله في أكثر من محاولة حل مشاكله اليومية المحصورة في إطار عائلته وبيئته المحدودة جدا، هذا الإنسان سيشعر بشيء، إن لم يكن بالكثير، من القلق والاضطراب عندما يتصرف كمستقل، كإنسان قائم بنفسه، كمشارك فاعل في العالم من حوله بدلا من كونه مجرد إنسان منفعل بما يجري من حوله، كصانع للتاريخ، كصانع للواقع عوضا عن أن يكون هذا الواقع مفروضاً عليه فقط... عندما كان النظام هو من يمانع، الواقع أنه كان يفعل كل شيء في سوريا لوحده حتى الآن، كنا نمانع على طريقته، كنا مضطرين لأن نمانع على طريقته دون أن يكون لنا أي خيار آخر، تعالوا نبحث الآن عن كيف نريد نحن كشعب أن نمانع، أبعد من ذلك، تعالوا نتصور كيف يجب أن يكون عليه عالمنا المشترك الذي نتشارك فيه سوية، تعالوا نفكر ونتحاور، بحرية، عن كل شيء في حياتنا، تصور أنك ستساهم في تحديد كل شيء في هذا البلد، في حارتك ومدينتك أو قريتك وحتى في كل مكان من سوريا كلها، من شكل الشارع الذي تسير فيه إلى مسألة كيف يحصل كل منا على خبزه، بطريقة عادلة لكل منا، إلى مرتبات الوزراء والوقود المخصص لسياراتهم وحتى تكلفة المكتب المخصص لرئيس الوزراء مثلا، لا تنسوا أن البيروقراطية تعشق الفموض وتعشق الظلام لأنه هو مبرر وجودها وسيطرتها وأن هذا الغموض والظلام في نفس الوقت يساعداها على إنكار أنها موجودة أصلاً كطبقة تملك وسائل الإنتاج وكطبقة حاكمة متسلطة على المجتمع، تذكروا أنه عندما لا يوجد قانون يحدد صلاحيات أجهزة الأمن مثلا فإن هذا يعني تمتعها بصلاحيات مطلقة تسلب المواطن العادي أي حق أساسي في مواجهتها، تذكروا أنه عندما لا نتفق جميعا على، وحتى لا نخبر ولا نعرف، تكلفة المكتب المخصص لرئيس الحكومة أو لمستشار في القصر الرئاسي، فإن هذه التكلفة قد تكون خرافية بالفعل، تذكروا أن أي شيء لا نتفق على تعريفه جميعاً ويبقى غامضاً ينتهي إلى ألا يعني شيئا بالضرورة أو أن يعني كل شيء عند الضرورة، هكذا يمكن أن تكون مثلاً ممانعاً وأنت لا تفعل أي شيء أو أن تجعل من الممانعة كل شيء، أي أن تضعها قبل محاربة الفساد الذي يعني سرقة تعب الناس وقبل حق الناس في التفكير والكلام والتظاهر التي يفترض البعض اليوم أنها أتفه وأحط قيمة من أولوية الاستمرار بالممانعة على طريقة النظام أي الممانعة لأجل الدفاع عن النظام، دعونا نجيب معا، بكل وضوح، عما تعنيه الممانعة، ما هو الحد الفاصل بين الوطني والخائن في العلاقة مع أمريكا مثلا، مع النظام السعودي، مع النظام القطري، حد فاصل ينطبق على كل سوري، أيا كان موقعه بحيث لا يستطيع أحد ممارسة التخوين ضد الآخر عندما يشتهي وعندما يكون هذا في مصلحته، لأن التخوين في الممارسة السياسية هو عادة مدخل للإلغاء والإقصاء ولتهيمش كل القيم الأخرى الضرورية للاجتماع الإنساني كالحرية والعدالة والمساواة وتغييبها بل وطمسها تماماً، تعالوا نتناقش مثلا من يحق له أن يتحدث مع الأمريكان وأن نحدد له سقفاً لا يمكنه تجاوزه وأن يكون منطلقه من هذا الحديث أو من عدم الحديث أي مقاطعة الأميركان هو مصلحتنا جميعا كسوريين لا مصلحة فرد أو مجموعة محدودة، أن نناقش ونحدد سوية أي مستوى هو المقبول من المشاركة في الحرب الأمريكية على ما يسمى بالإرهاب بما لا يعني تجاوز المصلحة الوطنية، تعالوا نحدد ما هي هذه المصلحة الوطنية نفسها، وأيضا هل السلام هو خيار إستراتيجي للشعب السوري كما هو خيار إستراتيجي للنظام، وإذا كان هذا هو خيارنا جميعا فماذا يعنيه هذا السلام لنا كسوريين؟ لا تنسوا أن البعض يصف من يتظاهر اليوم مطالبا بالحرية بكل التهم التي تخطر على باله، أي أن هناك حرية تمارس بالفعل من قبل هؤلاء البعض في اتهام من يشاؤون بما يشاؤون وقد مارس هؤلاء هذه الحرية في تخوين الآخرين وفرض آرائهم عليهم طوال عقود، هؤلاء الذين يكفرون ويجرمون ويخونون المطالبين بحريتهم اليوم هم الوحيدون الذين كانوا أحرارا على مدى عقود في ممارسة هذا التخوين وتفسير الممانعة وكل شيء آخر بينما كان فيها باقي السوريين محرومين من هذه الحرية... إن السوريين العاديين، الذين ينهب اقتصادهم ويلغى دورهم في تحديد مصيرهم ويعاملون بكل هذا العنف أخيراً لأنهم يتحدثون عن شيء اسمه حرية، هم من يتهم اليوم بالخيانة والعمالة وكأن البلد شيء وهم شيء، كأن الوطن هو حالة مجردة عنهم، كأن الوطن هو أرض بلا شعب أو نظام بلا شعب، كل هذا يجري باسم الممانعة، هذا يعني حقيقة مرعبة، على الأقل بالنسبة لمن يصرون على أولوية الوطني كما يسمونه على الاجتماعي أو الموقف من أمريكا على حق السوريين العاديين في الحرية وفي حياة كريمة وفي لقمة خبز تشبعهم، يعني هذا الاتهام شيئاً واحداً فقط، مرعباً ومخزياً في نفس الوقت، هو أن هذه الممانعة هي سياسة وفكر وممارسة من يرتشي، من ينهب الاقتصاد الوطني، من يعتبر دماء السوريين بلا قيمة، بينما الناس ضحية هذا الفساد وذلك الانفلات هم خونة حتى يثبتون العكس بصمتهم على الفساد وعلى التلاعب بمصيرهم وحتى بحياتهم عند الضرورة، أي ممانعة هذه التي يجري الحديث عنها، ألا تستحق هذه الحقيقة وحدها أن نعرف الممانعة، ولو لمرة واحدة فقط.

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.