3

:: كيف يخلق المتطرف والطائفي وكيف يمكن تحويله إلى مواطن ::

   
 

التاريخ : 13/05/2011

الكاتب : مازن كم الماز   عدد القراءات : 2026

 


 

 

كيف يخلق الإنسان طائفياً أو متطرفاً, الحقيقة أنه مع شيطنة الطائفي والمتطرف، كصفات لبشر عاديين يعيشون في مجتمعاتنا، فإن القدرة على فهم أو تحليل هؤلاء الأشخاص تصبح مهمة شاقة، صعبة ما دام تنميط هؤلاء الأشخاص يصورهم ككائنات يجب استئصالها فقط، عن طريق العنف غالباً، إن لم يكن بالعنف المتطرف في قسوته أساساً... لكن الكثير من الملاحظات العابرة والمتأنية تشير بوضوح إلى علاقة قوية بين هذا الصعود وبين الحالة الاجتماعية التي نتجت عن تفاقم النهب البيروقراطي خاصة للطبقات الأكثر فقراً وتهميشها سياسياً مع تسارع نمو البيروقراطية الحاكمة منذ ستينيات وسبعينيات القرن العشرين وشهدت تسارعاً هائلاً مع تطبيق السياسات النيوليبرالية منذ تسعينيات القون العشرين. هناك في الواقع تلازم بين الإفقار والتهميش الاجتماعي والسياسي من قبل أنظمة تدعي العلمنة وبين التوجه الشعبي نحو الأصولية الدينية يتضح أكثر فأكثر.. هناك بالفعل دور للبترودولار، ولعوامل مشابهة مثل محاولة آل الحريري مثلا إنتاج حاضنة طائفية موالية في شمال لبنان، ولهيمنة الفكر السلفي سعودياً حتى أوائل التسعينيات واستمرار تلك الهيمنة بهذا الشكل أو ذاك حتى اليوم وللإمكانيات التي توفرت له على الفضائيات والانترنيت وتأثر أعداد كبيرة من المصريين والسوريين وغيرهم من العاملين العرب في السعودية بهذا الفكر عن طريق عملهم هناك، لكن كل هذه هي في الحقيقة عوامل ثانوية، مساعدة في أفضل الأحوال للعامل الأبرز وهو صعود التناقض بين طبقات وفئات اجتماعية محرومة وبين البيروقراطية الحاكمة في هذه الأنظمة.. في سوريا حاولت السلطة الجديدة منذ 8 آذار أن تتكئ على الفلاحين خاصة كقاعدة اجتماعية لحزبها السياسي ومن ثم لسلطتها الناشئة التي بنتها على أساس سيطرتها على الجيش أساسا.... لكن مع تقدم تشكل البيروقراطية الحاكمة وتكريس شكل جديد من علاقات الملكية والإنتاج يقوم أيضا على ملكية أقلية لوسائل الإنتاج واستغلالها لعمل الأغلبية، اضطلعت البيروقراطية الصاعدة بمهمة "الإشراف" على وسائل الإنتاج وتوزيع نتاج العمل الجماعي، عمليا كان هذا يعني أنها هي المالكة الحقيقية لوسائل الإنتاج وأنها هي التي كانت تستولي على القيمة الزائدة التي ينتجها العمال الصناعيون والزراعيون، والأكثر أهمية ربما، أنها هي التي تتحكم بالموارد الطبيعية للبلاد وذلك بشكل مطلق تقريبا، خاصة منذ أوائل الثمانينيات عندما اتخذ النظام السوري شكله الحالي النهائي... يجب أن نلاحظ ظاهرة هامة جدا رافقت صعود وتشكل هذه البيروقراطية الحاكمة تمثلت في انتقال التهميش الاجتماعي والفقر المدقع من الريف إلى محيط المدن الكبرى، وهذا ينطبق أيضا على البلدان العربية، وربما على مستوى كل بلدان الجنوب المتخلف... في سوريا تراجعت ظاهرة الفقر المدقع والتهميش المطلق للفلاحين خاصة منذ التطبيق الراديكالي للإصلاح الزراعي في الستينيات، بالمقابل نشأت وتعمقت ظاهرة الفقر المدقع في المدينة، رغم أنه صحيح أن بؤر الفقر هذه كانت أساسا في محيط المدن الكبرى الذي كان يتوسع خاصة مع تزايد الهجرة من الريف إلى المدينة، أيضا تسارعت هذه العملية منذ التسعينيات مع إزمان الأزمات الاقتصادية البنيوية منها والناتجة عن تزايد نهب البيروقراطية الحاكمة، أخذ الفقر بالتفاقم في المدينة باضطراد مقابل تراجعه النسبي في الريف، أصبحنا نرى مثلا في بعض أحياء المدن الكبرى كالسكنتوري في اللاذقية مثلا وفي أحزمة الفقر المحيطة بدمشق وغيرها صورا تشابه الفقر المدقع والتهميش الاجتماعي الحاد الذي كنا نشاهده سابقا في الريف في الأربعينيات وما قبلها... جزء هام من التحسن النسبي في وضع ساكني الريف السوري ارتبط بصعود وتضخم أجهزة الأمن بلا شك التي اعتمدت على تحويل أبناء الفلاحين إلى عناصر أمن "مخلصين" و"موثوقين" بتدريبهم على مهام القمع أساساً، وبظهور الشبيحة أنفسهم كقوة تحصل على دخل مرتفع بطريقة غير قانونية وقانونية في نفس الوقت، إضافة طبعا إلى دور كبار الضباط الأمنيين والعسكريين أبناء الريف، كواسطة ممكنة لكل من يعيش في هذا الريف لتأمين وظيفة متواضعة هنا أو هناك، كل هذا ساعد في خلق الاعتقاد (أو بالأحرى وهم) أن النظام يحابي الريف أو أن هذه التطورات قد ساعدت في إظهار الريف، أجزاء منه على الأقل، على أن مصالحه مرتبطة بمصالح النظام، وبالمقابل أنتجت إحساسا كبيرا بالغبن الاجتماعي والسياسي، هذا الغبن فسر "طائفيا" في مناطق التهميش الاجتماعي والسياسي الجديدة، مناطق الفقر المدقع الجديدة، المدينية.. من الطبيعي في مواجهة أنظمة متعلمنة أو تدعي العلمنة أن ينمي الإحساس بالغبن والتهميش ردة فعل معادية للعلمنة الفوقية المفروضة بالقمع، وأن يشكل الإحساس الطائفي أيضا أساس ردة الفعل على ما فهم على أنه حالة طائفية مرتبطة بالنظام... لا يمكن للعين أن تخطئ تزايد نسبة المحجبات ومرتادي المساجد مؤخرا في المدن الكبرى، حتى بين الفئات ذات الحالة المعيشية الأفضل نسبيا، لقد قرأت العلمنة المرتبطة بالنظام على أنها إيديولوجيا سلطوية فوقية لتبرير نهب واحتكار السلطة، لتبرير الظلم الاجتماعي والسياسي، ولتبرير هيمنة البيروقراطية الحاكمة، وليست إيديولوجيا تحريرية للناس، أو للطبقات الأشد فقرا وتهميشا، أو إيديولوجيا مساواتية بين البشر، على العكس فهمت أنها إيديولوجيا سلطة منفلتة على المجتمع، هذا في مقابل تراجع قوة اليسار والنخبة المثقفة عموما لأسباب مختلفة وخاصة بسبب نجاح النظام في احتواء مشروعها العلماني أو المناهض للموقف الأحادي الجامد من التراث، الأمر الذي جعل مشروع هذا اليسار أو النخبة بلا طعم، وغير متمايز عن مشروع استمرار النظام كما هو، هذا الضعف الذي وصل حد السلبية والعجز أيضا لعب دورا هاما، إلى جانب التحاق قسم هام من القيادات اليسارية والمثقفة بصفوف بيروقراطية النظام من المستوى الثاني والثالث في خلق إحساس لدى اليسار السوري والنخبة المثقفة بالخطر من الحراك الشعبي الراهن العفوي والمتحرر من وصاية أجهزة أمن النظام ومؤسساته البيروقراطية الفوقية... لكن المناطق التي تحتل المحافظة الاجتماعية والدينية مكانا قويا فيها لا تقتصر على تلك الأحياء الفقيرة، نشاهد أن من بين هذه المناطق ذات النزعة المحافظة تلك المناطق الريفية المحافظة التي تعرضت لتحول مديني متسارع كدوما وحتى درعا وبلدات ومدن غوطة دمشق مثلا التي أصبح أهلها يتمتعون بمستوى معقول من الحياة بسبب ارتفاع أسعار أراضيهم الزراعية وتحولها إلى مناطق سكنية، لكن هذا التحسن النسبي في الحالة الاقتصادية مع تحولها المديني الأولي تلاه تدهور سريع فيما بعد بسبب تكالب الموظفين البيروقراطيين الفاسدين الذين رأوا هذه المنطقة كغنيمة دسمة مغرية جدا لهم ونتيجة السياسات النيوليبرالية العامة الأخيرة (نشرت قاسيون مؤخرا تحليلا للوضع في قرى الغوطة الشرقية عن التراجع الكبير في مستوى أهلها المعيشي مع تآكل حرفهم وزراعاتهم التقليدية بفعل سياسات إغراق السوق بالموبيليا المستوردة مثلا لصالح بعض أساطين الفساد المعروفين وما إلى ذلك) ترافق هذا التدهور باستمرار التهميش السياسي الذي أصبح طعمه أكثر مرارة بالطبع، الأمر الذي فاقم إحساس سكانها بانفلات وتغول أجهزة ومؤسسات النظام.. إن الحراك الحالي هو تعبير صريح عن التهميش الاجتماعي والسياسي، والقوى والفئات والطبقات الاجتماعية تنخرط في هذه الحراك بحسب درجة إحساسها بالغبن والتهميش، لا بد هنا عند الحديث عن تقاطع حدود القهر الاجتماعي والسياسي مع حدود الطوائف بأن نستعرض التجربة اللبنانية المهمة جدا في هذا المجال، نعرف أن اليسار اللبناني مثلا كان قد وقف، قبل وأثناء الحرب الأهلية، إلى جانب القيادات الطائفية الإسلامية في الدعوة لتغيير نظام الحكم الطائفي الذي كان يقوم على هيمنة المارونية السياسية مقابل إحساس الطوائف والقيادات الإسلامية التقليدية بالغبن والتهميش، بعد انتهاء الحرب الأهلية بقيت بنية النظام على حالها عمليا، الذي تغير هو أن القيادات الإسلامية الطائفية هي التي احتلت الموقع الذي كانت تشغله المارونية السياسية سابقا، وتميزت الفترة ما بين 1991 و2005 خاصة بانتقال الشعور بالغبن والتهميش من الطوائف الإسلامية إلى الطوائف المسيحية خاصة الموارنة تحديدا، الحقيقة أن الناس العاديين من كل الطوائف كانوا ولا يزالون في حالة تهميش دائمة، حتى عندما كان الحريري يمارس سلطة شبه مطلقة على الأمور في لبنان وبينما كان يحقق أرباحاً خيالية من استثماره لماكينة الدولة كان سنة طرابلس، وحتى صيدا مثلا مسقط رأسه (والذين صوتوا تقليديا للحريري) يعانون تهميشاً هائلاً وصل لدرجة الفقر المدقع ومعدلات بطالة مرتفعة جدا بين الشباب خاصة وغير ذلك من أشكال التهميش الاجتماعي، إن المنطق الطائفي لا يتطابق مع المنطق الاجتماعي الطبقي بل يناقضه في معظم الأحيان، ما بدا أنها سيطرة للقيادات التقليدية السنية ترافق بالضرورة مع تهميش وإفقار للسنة العاديين، وهذا يصح أيضا على قسم كبير من الموارنة في فترة سيطرة المارونية السياسية على مركز النظام الطائفي... يبقى النظام، وتبقى النخب، ما يتغير هو فقط التوازن بينها، علاقات القوة بينها... إن تحويل المتطرف، أو المحافظ فكريا ودينيا، إلى مواطن ممكن بإحدى مقاربتين: إنهاء التهميش السياسي والاجتماعي الذي يعيشه، أو تصعيد هذا التهميش وتحويله إلى قمع يومي مباشر سافر وفظ.... المقاربة الثانية قد تؤجل الانفجار ربما لكنها قد تجعله في المقابل أكثر قوة وعنفاً مما نتوقع أو قد يتوقع أي شخص.

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.