3

:: أورهان باموق يتحدث عن الحياة والإبداع ::

   
 

التاريخ : 23/05/2011

الكاتب : خيري حمدان   عدد القراءات : 1252

 


أكتب لأن الحياة قصيرة – أورهان باموق

 

لم أكن أتوقع بأن يتمكن أديب يكتب باللغة التركية (يتساءل الكثيرون: من يقرأ التركية في العصر الحديث؟) من الفوز بجائزة نوبل للآداب. بدأ باموق حديثه الوجداني مع الحضور في صالة صغيرة في مركز الحوار الأوروبي في صوفيا. لم يقم السيد باموق قبل اللقاء ولا بعده بتوقيع رواياته لأنه يفضل الحديث والاستماع للآخرين بدلاً من الانزواء في أحد أركان المكان للتوقيع على الصفحات الأولى لرواياته.

 

الأديب التركي تلقى مكالمة هاتفية عام 2006 تفيد بفوزه بجائزة نوبل للآداب، عندها أصر على البقاء أمينًا على عاداته والتزامه الأدبي، قال باختصار بأنه لن يتغير، لكن الجائزة بلا شك تمكنت من تغييره. أصبح أكثر تطلبًا لذاته الأدبية، أكثر مسؤولية وأكثر انشغالاً، وهذا ليس بالضرورة بالأمر السيء. لكن باموق القابع في عمق البلقان لم يغير شيئًا من مشاريعه الأدبية بل مضى في كتابتها بجدّ لأن الحياة كما قال قصيرة لا تحتمل أيّ تلكؤ.

 

يقول باموق بأن الولادة وممارسة الحياة في البلقان لعنة، من يهتمّ بمشاكل البلقان الرتيبة التي لا تنتهي؟ بل تبدو مقارنة بالهمّ الإنساني الكبير مشاكل متواضعة وعابرة!. لكن توضح له بأن العالم يقرأ ويهتمّ بكافة القضايا التي تشغل الإنسانية حتى وإن بدت متواضعة وليست بذات أهمية. بعد أن حاز باموق على جائزة نوبل للآداب قال له كثيرون بأنه محظوظ لولادته في مدينة ساحرة – شرقية وغربية اسمها إسطنبول. هناك رواية لباموق تحمل عنوان إسطنبول، تناول فيها الكاتب هموم المدينة، أمسياتها، جنونها، سأمها، مضيق البوسفور العملاق في بعده الجغرافي، الرومانسي في بعده الوجدانيّ لدى الكاتب. البوسفور الذي شقّ المدينة إلى قسمين آسيويّ وأوروبي. هذا التناقض الكبير في الحياة اليومية لباموق ولّد لديه إحساس بأنه ينتمي لعوالم كثيرة مسكونة بأتراك، كرد، أرمن وغجر. هذا التلوّن الكبير - كما اللوحة - ترك بصمات واضحة في رواياته فأثراها ورفعها إلى آفاق سامية في عالم الأدب العالمي.

 

باموق كان يتمنى أن يصبح رسامًا لهذا فإنه يتعامل مع الرواية على أنها لوحة فنية قبل الشروع بكتابتها، وبدلاً من التلاعب بالألوان، أراد له القدر أن يتلاعب بالكلمات فحقق نجاحًا لم يكن يتوقعه.

 

حين يتحدث أورهان باموق يستخدم كلّ عضلات وجهه وجسده، يتفاعل مع جليسه كالطفل، يبتسم، يضحك، يعارض لكنه لا يهادن. باموق وفيّ لأفكاره ولقلمه ولوجوده الكونيّ. يعرف بأنه ينتمي لدولة صغيرة نسبيًا، تتمنى الانضمام لمنظومة الاتحاد الأوروبي، لكنه واثق من حجم حضوره الفكري، يمتلك 16 ألف كتابًا في شقته في إسطنبول، ويقول بأن المكتبة الجيدة هي التي يشرف الكاتب أو القارئ على جمعها، أما المكتبات الجاهزة فهي صمّاء جامدة.

 

يعترف باموق بأن ثورة الشعوب العربية كسرت المفهوم التقليدي المتعارف عليه في العالم. ثورة الشعوب العربية جعلته يشعر بالفرح لأنه أدرك بأن هذه الشعوب حيّة، ترغب بتغيير واقعها ودفع ثمن الديمقراطية فوق أراضيها، وإعادة بناء نفسها لتصبح جزءًا من الحضارة المعاصرة. يقول باموق بأن تساقط الجبابرة والدكتاتوريين أمر ترك لديه ارتياح كبير لأنه حرر هذه الشعوب من التهمة الجاهزة دومًا بتخلفهم ورجعيتهم.

 

أورهان باموق لا يخشى مواجهة القارئ ولا يكتب لقارئ بعينه، بل يخشى أن يكتب سطرًا، ورقة أو كتاب لا يرتقي إلى الذائقة الأدبية، الخوف من كتابة شيء رديء وسوقي، وأن يكون بطل الرواية سيء، هو أكثر ما يخشاه الكاتب.

 

يجد القارئ الأوروبي صعوبة في قراءة باموق، لأنه يسترسل كثيرًا في سرده، يكتب جملاً تمتدّ إلى عدّة سطور، يحتاج القارئ إلى تركيز كبير للغوص في أعماق الكاتب، قد يكون هذا الأسلوب ذا علاقة بشرقية الكاتب وخضوعه لتأثير الأدب الشرقي الصوفي، كالموجة الهادئة القادمة من آلاف الكيلومترات، تجتاح الشاطئ بحضور جذل مهذب، لكنها تمتد إلى أقصى أعماق الشاطئ، تاركة خلفها إحساسًا بملوحة البحر وجذل الملاحين وأحلامهم.

 

هكذا يبدو باموق حين تنظر إليه عن قرب، قلقًا، متأهبًا للقاء الآخر، غير قادر على الجلوس فوق المنصة حتى اللحظة الأخيرة وعلى أتم الاستعداد لخوض حوار طارئ. يبدو سامقًا، نحيلاً، متأهبًا طوال الوقت للاندفاع نحو عوالم أخرى. كاتب يحمل في روحه مشاريع أدبية كثيرة، جميعها تنتظر على أحر من الجمر صاحبها ليجد ما يكفي من الوقت للجلوس والانعزال عن الآخرين بالقرب من البوسفور، للكتابة حتى آخر حرف وفاصلة تعلن تمردها في روحه. 


        

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.