الجزء الأول

 

 .......

فـي هذا العمل المسرحي البديع خصوصية بيئية واجتماعية مليئة بروح الإبداع الرحباني والجمال المتدفـِّق صوراً وألحاناً وقيماً فنيـَّة تـُسجـَّلُ أيضاً للأخوين رحباني وللمخرج صبري الشريف، الذي تعاون مع الأخوين لتحويل هذه المسرحية إلى فيلم سينمائي أخرجه يوسف شاهين فـي العام 1965 وصـُوِّرتْ مـَشاهدُه فـي منطقة (ضهور الشـّوَيـر، المتن، بيت شباب) فـي جبل لبنان.

.......

  ريما:                             رَحْ نـِحـْكي قصـِّة ضـَيـْعـَه

لا القـِـصـَّــة صحيحـة       وْ لا الضـَّيْعـَة مـَوْجـُودِة

بـَسّ بــــِلـَـيـْـلـِـــة          هـُـوِّيْ وْضـِجـْـــرانْ

خـرْتـَــشْ إنســان عَ وَرْقـَة

صـــارت القـِـصـَّة            وْعِمـْرِتِ الضـَّيعة..

لحن البداية اللذيذ الذي توحي نغماته بالرِّقة والنعومة يضعنا فـي بيئة الضيعة الجميلة وتخومها وبساتينها وصخورها المـُوَّشـَّحة بألوان حياة الناس وأفراحهم وآمالهم وبحكايا الأجيال التي نقشت على سطوح هذه الصخور فغدت السجلَّ الصادق والتـُّراث الخالد والأدب الشعبي الذي يحفُّ الجمال به من كل جانب والذي تسمو بمكوناته الروح وتتأجج مشاعر الحب وتحلق الأحلام فـي فضاءات لا حدود لرحابتها. 

.......

الساحة، التي غادرها الضيوف وعيد وفضلو تاركين المختار وريما، ودَّعتْ هي الأخرى حالة البهجة والفرح ليَحلَّ الصمت الحزين فوق مقاعدها الحجرية الباردة. وتتوجه ريما إلى خالها بالتساؤل حول موضوع أصبحت له عندها هواجسُ مقلقة، فيدور بينهما ديالوج ناعم منغـَّم:

ريـما:          لـْ أيـْمـْتـِي رَحْ ضــَلّ يا خـالي       تحـْكـِي وْإشـْهـَدْلـَكْ شو هالحالـِة

المختار:        يا بـِنـِتْ إخـْتي انْ ما شـْهَدْتيلي      ميـنْ رَحْ شـَهــِّــــدْ عـَلى حـالـي

ريـما:         مازالْ راجحْ مِجـْرِم وْجـــارح ْ        لـَيـْـشْ حتـَّى تـْـقاتـْلـُو لـْراجـِحْ ؟

المختار:        ما فيْشْ راجـِحْ كـَبـّري عـَقـْلـِكْ

               خالـِكْ يا ريـما اللـِّي اخـْــتـَـرَعْ راجـــح

.......

 نحن الآن فـي الغابة التي يتوافد إليها العشاق وقد تزيـَّنت الأشجار والزوايا وتلألأ المكان بقدود الفتيان والفتيات ولباسهم الأنيق ووجوههم الباسمة وتراقصت أغصان الأشجار على إيقاعات حركة القادمين والقادمات، و(ريما) إحداهن وقد جاءت خلسة بعد أن خلد أهلـُها إلى الراحة ظناً منهم بأنها لن تغامر وتذهب إلى الاحتفال وتـُعرِّض نفسها لخطورة الالتقاء براجح! وتغني ريما بإيقاعية ذات رتابة تنسجم مع مشيتها فـي الغابة باتجاه باحة التجمُّع وعلى نفس الإيقاع الذي يزيد من عذوبته بروز أصوات الدف والصنج تتمايل قدود الوافدين إلى ملتقى العيد بفرح وأمل تحمل الصبايا أقفاص عصافير مـُلوَّنة رمزاً للعش الذي تسعـَين لبنائه مع من له معهن نصيب الخطوبة والزواج ويلوَّح الفتيان بمحارمهم الملوَّنة بألوان الطيف والمعطـَّرة بعبق الحب وبالأمل بالأيام السعيدة، والأغنية من مقام (حجاز) وذات طابع زجلي (قِرَّادي).

ريما:             إمِّــي نــــامتْ عَ بـَكـِّيْـــر     وْسـَكــَّـرْ بـَيـِّي البـُوَّابـِـة

        وْأنا هـْرَبـْت مـْن الشـِّبـَّاكْ                وْرِحـْت لـْعـِيـْد العـِزَّابـِة

الكورس:         إمـِّي نامتْ عَ بـَكـِّيْر..

 

.......

  المختار:           راجح كِذبـِة.. بسّ مين ياللـِّي اشـْتـَلـَقْ عَ اللـِّعـْبـِة ؟

بـَسيـْطـَة.. غـَدْروني غـَدْر..

أخـَدوا الجاكيتـَّا.. فيها مـِيـِّة ليْرة.. وْفيها تـَذكـِرْة النـّفوس..

ويتابع مـُعـَزِّيـاً نفسـَه ومتظاهراً عدم التأثر (ما أنا المخـْتار.. بـَعـْْمـِلْ غـَيْرا !!) ويتوجه إلى داره مـُطـْرقاً وقد أفل ضوء النهار فيصادفه صيـَّادو العصافير وهم عائدون، يرمقونه بنظرة استغراب:

الصيادون:        ليـشْ تـَ غيـر الـْعـــــادِة مـْـفـَرَّعْ يامخـْتــار؟

المختار:         جايـي مـْنِ الـْبـَيـت مـْفـَرَّعْ وْ عـَمْ بـَعـْمـُل مشوار

الصيادون:       شـَوْفـْتـَكْ زَعـْلان شـْوَيّ وْسارحْ يامخـْتــار؟

المختار:         سارح هـَيْك بـْإشـْيا حلـْوِة وْ عـَمْ بـِنـْظـُمْ أشعــــار

ويكـْتـَفـي الشباب ويصدقون المختار كالعادة ثم لا يلبثون أن يجدِّدوا ولاءَهم له بسبب حمايته إياهم من بطش راجح:

الصيادون:                        وْشو أخبار راجح؟

المختار:                          شـو بـَدْنا بـِـراجـح

قـولـُولــي ما جبـْتـُّو شـي؟

الـْهـَيـْئة ماتـْصـَيـَّدْتو شي!

الصيادون:                        والله بـْرمـْنا ما تـْوَفــَّـقـْـنـا

المختار:                           إنتو ما بْـتـَعِرْفـو تـْصِيْـدو

هــاتـُــــولـي هـالـْجـِفـْــتْ           وْحـَدا يـْزِتــِّـلـِّي الطـَّرْبوش

لقد وجدها المختار فرصة ذهبية لتحويل الأنظار عن حالته وعما يجري فـي الضيعة ولهذا فهو يحاول أن يثبت للصيادين أنه مازال المختار القادر على حماية الأهالي.. يتناول أحد الصيادين طربوش المختار ويقذف به إلى الأعلى فيما يتمنى الآخرون له التوفيق.. ولم يـُوَفـَّقْ:

الصيادون:                       ألله مـَعـَكْ يا مختار

واحد.. تـْنـَيْن.. تـْلاتـِة.. (بـوفّ)

   ما صابو.. نـِسي عَ قـِلـِّة الـْعـــادِة

المختار                       بسّ وْلـَه..   وْلـَكْ أنــا شـَيـْخ الصـِّيـَّاده

 .......

ويدخل الموكب المؤلف من الشباب والصبايا الذين اتفقوا على إعلان الخطوبة هذا الموسم وقد تزينت الفتيات ولبسْن الفساتين البيضاء المزركشة وظهر الشبان الثلاثة بأناقتهم وهيبة الرجولة تملأ وجوههم وقد أحيطت الأزواج الثلاثة من الجانبين بحاملي الهدايا والحلوى وبالصبايا تحملـْن الشرائط الملونة وسَلات الزهور وتقدم الجميع إلى باحة المكان على إيقاع جميل عزفت لحنه الشعبي التقليدي اللذيذ الأوركسترا تصحَبُها الفتيات تغنـِّين للخطيبات بنعومة وهدوء يناسب المِشية البطيئة للموكب المتقدم:

الفتيات: طـِلـِّي ضـْحَكـِيـْلـُو يا صـَبـِيـِّة    ضـَوِّي بـِقــَـلـْــبـُو غـِـنــِّـيــــِّـة

     هايـْدا خـَطـِيـْبـِكْ قــُولــِيـْـلـــُو  صارتْ صـَحيحة الخـَبـْرِيـِّة

  يــا صـَبـِيـِّــــة

     يا قــمـَرِِيـِّــة هـَنـِيـِّـة طـِلـِّي ضْحَكـِيـْلـُو يا صَبـِيـِّة

.......

وترد ريما بتوجيه الكلام إلى بياع الخواتم.. بياع الفرح.. الذي انتصرت المحبة بقدومه وعادت للناس طمأنينتهم ولموسم الخطبة ألقـُه:

ريما:                            ابــَيـَّاع الــخـَـواتــِـــم

بـِالمـَوْسـِم اللـِّي جايـِـي       جيب لي مـَعـَكْ شي خـاتـِمْ

يـابــَيـَّاع الــخـَـواتــِـــم

رَحْ يـِتـْرِكـْني حـَبيبـي          حـْبـِسْ لي حـَبيبـي بْخـاتـِمْ

 .......

وتقترب فيروز خطوتين إلى الأمام وتتوجه إلى جمهورها الحبيب إلى قلبها كما هي بالنسبة إليهم وتلخص المسرحية ثانية بمقدمتها مذكـِّرة إيانا بالحقيقة:

فيروز:                               مـِتـلْ مـا قـِلـْنالـْكـُنْ

هايْدي كانت قـِصـِّة ضـَيـْعـَة

لا القصـَّة صحيحـَـة          وْ لا الضـَّيْعـَة مـَوْجـُودِة

الجميع:              خـِلـْصـِت الأشـْعـــــــار    وْخـِلـْصـِت السـَّهـْريـــِّـة

وْسـَرَّبـِتْ الـِقــــْمـــــــار   وْطـِلـْعـِتْ عَ الصـَّيـْفيـِّــة

حـْكـِيـْنا الـِحـْكايـِــــة        والـِحـْكايـِة حـْكــــــايـِة

 حـْكايـِــــــة ِحـْكـــــــايـِة

 

تحميل الصفحة كنسخة ملائمة للطباعة